استطاع الكاتب البريطاني مارلون جيمس في روايته الثالثة تاريخ موجز لسبع جرائم قتل الوصول إلى القائمة الطويلة لجائزة مان بوكر الأدبية، متكئاً على إرث بوب مارلي النضالي، عبر حبكة أدبية ترصد محاولة اغتيال المغني الذي يعتبر أيقونة في موسيقى الريغي عام 1976، حيث تعتبر هذه المحاولة وغيرها جزءاً من تاريخ العنف الذي مرت به جامايكا والذي حاول مارلي وقف حد له. وكان مارلي في تلك المحاولة قد أصيب بطلقات رصاص قبل يومين من الحفل الموسيقي ابتسمي جامايكا الذي نظمه حينها مايكل مانلي رئيس الوزراء وقائد حزب الشعب الوطني. وكُتبت لمارلي وزوجته ريتا النجاة بعد إخراج الرصاصة من رأسها. والمثير أن مارلي شارك في الحفل وغادر بعدها مباشرة لينفي نفسه إلى لندن لمدة عامين. زوبعة العنف ومن خلال قصة مارلي تناول الروائي جيمس مرحلة الاضطرابات في جامايكا في السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الـ20، حيث انتشرت الأسلحة بين الناس واستوطنت المخابرات الأميركية، لتمر هذه الجزيرة بزوبعة من العنف لم تشهدها من قبل. ويتجلى للقارئ أن الرواية تتناول الأحداث بأبعادها التي تمتد إلى خارج جامايكا. والرواية ليست من الكتب الشيقة، حيث تتطلب قراءة متأنية وتركيزا مع ما تتضمنه من جرعة عالية من العنف، حيث اعتمد جيمس أسلوب تنافر النغمات والإيقاع ليبلغ عدد الشخصيات التي قُدمت في بداية الكتاب ما يقرب من 75 شخصية، وليغيب البعض بين حين وآخر. نفوذ بروكلين تبدأ الأحداث مع الصحفي الأميركي أليكس بيرس، الذي يحاول شرح موقفه لمجموعة من الجامايكيين الذين يعتبرون لوردات المخدرات، والأعضاء في عصابة ستورم بوس التي تعقبت أثره حتى بروكلين لتهدد بقتله إن لم يغير مضمون مقاله المقبل، تبعا لما يريدونه. أما ما يعرفه بيرس الذي يعيش في عام 1991 عن عنف العصابات التي وجدت مرتعاً لها في جامايكا منذ الاستقلال عام 1962، فهو أقل وأكثر من ما يجب. ونظراً لكونه روائياً أيضا، ذهب بأسئلته بعيداً ليستطيع بما جمعه من معلومات، الذهاب إلى ما خلف التاريخ للبحث في مصائب تلك الجزيرة الصغيرة التي تبحث عن هويتها بعد الاستقلال ولتكون ضحية مطامع السلطة والنفوذ. عصابات وزعماء استند جيمس في روايته على القصة الحقيقية لعصابة شاور بوس التي بدأت تتشكل في بداية الستينات من القرن الماضي في كينغستون لتنتشر بعدها في أميركا، وليهيمن أفرادها في الثمانينات على تجارة المخدرات في نيويورك وميامي. كما استعان بها كل من رئيس وزراء جامايكا وخصمه رئيس حزب العمال كقوة للسيطرة على أحياء الفقراء في منطقة حدائق تيفولي التي سماها جيمس في كتابه مدينة كوبنهاغن. وبادر الخصمان إلى تسليح العصابات والاستفادة من خدماتها، ليعتمد مؤشر القوة على من تخضع له منطقة الفقراء وبالتالي كينغستون، ليكسب الأصوات في الانتخابات الوطنية. ابتسمي جامايكا أدت هذه الحرب المتطرفة إلى المزيد من الفقر والعنف والوحشية، والتي وصفها بوب مارلي في إحدى أغنياته بالصدمة، والذي بادر بتقديم الحفل الموسيقي المجاني ابتسمي جامايكا بهدف إحلال السلام. وعلى هامش الصراع بين الخصمين برزت تدخلات القوى الخارجية مثل المخابرات الأميركية المناهضة لسياسة كوبا وعصابات المخدرات الكولومبية. سيرة أصدر الروائي الجامايكي مارلون جيمس 1970، ثلاث روايات، أولها كتاب نساء الليل عام 2010، ليتبعها في العام نفسه برواية شيطان جون كرو.. وأخيراً روايته تاريخ موجز عن سبع جرائم قتل التي نشرها العام الماضي.
مشاركة :