الإعلام.. إنعاش أم انتعاش؟

  • 10/17/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لا يعتبر تردد مصطلح المسؤولية الإعلامية بالضرورة، دالاً على تقصير أو بون شاسع في أداء «الواجب»، بقدر يدفع بضرورة مهمة دون الأخرى، فليس بأثمن من التغطية الماهرة، والمعالجة الصائبة لتداعيات جائحة «كوفيد-19» الحالية، والتي بدورها تصنع «وعياً أنيقاً» ومشرِّفاً للمجتمعات يتلاءم وما تفرضه نتائجها، أو حالة الطوارئ التي قد تتعرض لها أي من الدول، وبخاصة أن الأزمات والكوارث بشكل عام تمثل نقطة تحول صادمة ومفاجئة، مما يعني توليد ظروف غير مستقرة بطبيعة الحال، ووجود تهديد صريح للبنية الأساسية، المؤسساتية والمنظماتية، مفرزةً الكثير من الاضطرابات والهفوات غير المدروسة التي تصيب التصريحات المباشرة في بعض الأحيان، كرد فعل للارتباك الواقع. إن الوارد «العفوي» الواقع خلال الأزمات، والذي لا تحمد عقباه، يكون خليطاً للسلوك البشري غير المعصوم عن ارتكابه، حيث ساعدت بعض وسائل الإعلام، بقصد أو بدون قصد، على اتخاذ قرارات خاطئة خلال جائحة كوفيد-19. فكم من مقابلات ومواد إعلامية وردت خلالها أفكار ساعدت في تأجيج خطاب الكراهية، من خلال إلصاق أوصاف ذلك الفيروس التاجي الذي لا يأبه لنا، بالأشخاص أو المعتقدات أو الأحكام الشرعية أو الجنسية أو الفئة العمرية أو الجنس أو الجنسية! من المؤكد أن اللغط انتشر عبر الوسائل الإعلامية التي لم توجِد خطة للتعامل مع الأزمات، أو لم تلتزم بالمعايير والأخلاقيات المهنية، أو لم تراع الخطة المرحلية في معالجة الطوارئ والأزمات أكثر من غيرها. وفي خضم الجائحة والخطط الرامية لمعالجة، لا يزال لحد اليوم بعض الإعلاميين ومؤسساتهم، متقاعسين عن إعطاء الحيز المناسب لكل التداعيات والظروف التي تُضاعِف من ثقل المسؤولية، وتزيد من الشرائح المجتمعية المتوجهة «بنهم» للاستزادة من «المصادر الرسمية» والموثوقة. في البداية لا بد من نشر «الجو التلطيفي» للمجتمع المتلقي، يرصد من ردود الأفعال وقياس مدى تقبل واستيعاب طريقة الطرح، والتي تتولد عنها بالضرورة مرحلة الاستعداد والبناء لما يتبعها، ثم مواجهة الحقائق وتحليلاتها، وصولاً لمرحلة «إرجاح الكفة»، والتي تعني إعادة التوازن المجتمعي المتعثر من صدمة الأزمة. وبعد ذلك يترتب على الوسائل الإعلامية الخروج بنتائج جديدة، وقرارات متشبعة بخبرتها التي اكتسبتها خلال الأزمة، لإنتاج ما يتواءم ومرحلة ما بعد الأزمة. إن دور الإعلام يحتل مكانة قوية في كافة مناحي الحياة، فلن تجد فرعاً أو مجالاً في المجتمع إلا وللإعلام دور في دعمه أو إيصال صوته ورسالته. وفي هذا السياق كان للإعلام الدور الأهم في إيصال أهم الأفكار والقرارات والإجراءات التي صدرت عن أصحاب القرار، ودور الإفتاء المعتمَدة، والهيئات والعمادات الأكاديمية، وغيرها، دون إغفال الأسس والمبادئ التي ينطلق منها العمل الإعلامي بشكل عام، عبر إقلاعه من «مدرج» الواقع والحقيقة الثابتة، ساعياً لتلبية «مرادات المجتمع». وذلك لا يعني إطلاقاً اللجوء لإشباع رغبات المجتمع المعرفية خارج إطار الحياد والموضوعية، أو تجييش العاطفة التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى بناء ثقافة مغلوطة، فوسائل الإعلام لابد وأن تكون منبراً احترافياً كمرآة للمجتمع، متوافقة مع المستوى الفكري والروح الاجتماعية، وحريصة على احترام التقاليد المجتمعية وعدم تجاوزها. فالإعلام يتجاوز كونه فضاءً معلوماتياً مفتوحاً، باعتباره «مقوداً» رئيسياً في تغيير دفة الاتجاهات، وتحريك المجتمعات، وصناعة المستقبل، كونه يمتلك «المعدات الثقيلة»، القادرة على الدفع بالطاقات البشرية، لتكون حيث يجب أن تكون، وهذا بحد ذاته «القطرة» التي ستكون مستهل غيث القدرة على تغيير البنيان الأخلاقي للمجتمعات الذي يتعدى النطاق الإعلامي. إن المهمة الرئيسية للإعلام خلال الأزمات تتركز في الارتقاء بالقيم، وتوسيع حيز الثقافة، وتمكين أساسات التعاون ونشر ثقافته، بغرض البناء عليها، فالأولوية الآن تتمثل في زيادة التواصل، و«الإغاثة المعرفية»، والخروج بقاموس أو دليل إرشادي «طارئ» للمؤسسات الإعلامية، انسجاماً مع الظرف العالمي، الذي أدخل الأفراد باختلاف مستوياتهم وميزاتهم كشريك مؤثر، متجاوزين حدود المتلقي الذي ينتظر «التلقف» المعلوماتي أو الخدماتي، من معظم المؤسسات والجهات، ليمتد دوره من مجرد فرد «مؤثر ومتأثر» ليصبح شريكاً وصانعاً.

مشاركة :