اتهمت أرمينيا أذربيجان بخرق "الهدنة الإنسانية" في منطقة ناغورني قره باغ المتنازع عليها، عبر إطلاق قذائف مدفعية وصواريخ. وقالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأرمينية شوشان ستيبانيان على تويتر، إن "العدو أطلق قذائف مدفعية في الاتجاه الشمالي من منتصف الليل وأربع دقائق إلى الثانية وخمس وأربعين دقيقة من صباح الأحد، وأطلق صواريخ في الاتجاه الجنوبي من الساعة الثانية وعشرين دقيقة صباحا إلى الثانية وخمس وأربعين". وعقب أسبوع على إعلان اتفاق وقف إطلاق للنار لم يُطبق بين أذربيجان وأرمينيا في إقليم ناغورني قره باغ، دخلت "هدنة إنسانية" جديدة حيز التنفيذ السبت منتصف الليل بالتوقيت المحلي بين طرفي النزاع لوضع حد للتصعيد الدموي. انهيار الهدنة الإنسانية وقالت الخارجية الأرمينية في بيان سابق "اتفقت جمهورية أرمينيا وجمهورية أذربيجان على هدنة إنسانية اعتبارا من 18 أكتوبر-تشرين الأول عند منتصف الليل بالتوقيت المحلي". وأكدت الخارجية الأذرية الخطوة في بيان مماثل. وأدى استئناف المعارك قبل ثلاثة أسابيع إلى مقتل المئات، وشهد النزاع تصعيدا جديدا السبت عقب محاولة أولى فاشلة لوقف إطلاق النار جرت قبل أسبوع برعاية موسكو. وتوعدت أذربيجان السبت بـ"الانتقام" لمقتل 13 مدنيا في قصف ليلي استهدف مدينة غنجه ثاني مدن البلاد، في تصعيد جديد للنزاع. وجاء إعلان الهدنة عقب تحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هاتفيا ليلا مع نظيريه الأرمني والأذري وتشديده على "ضرورة الالتزام الصارم" باتفاق وقف إطلاق النار المتفق عليه في موسكو السبت، وفق بيان للخارجية الروسية. من جهته رحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السبت بالهدنة الإنسانية، التي جاءت "إثر وساطة فرنسية جرت خلال الأيام الأخيرة والساعات الأخيرة بالتنسيق مع الرئاستين المشاركتين لمجموعة مينسك". وشمل القصف السبت غنجه ثاني أكثر مدن أذربيجان كثافة سكانية، كما استهدفت ضربات أذرية عاصمة الانفصاليين ستيباناكيرت ومدينة شوشة اللتين فرّ معظم سكانهما منذ اندلاع المعارك في 27 سبتمبر-أيلول. وأجرى عشرات أعوان الإنقاذ عمليات بحث على ناجين، وجمعوا أشلاء بشرية ووضعوها في أكياس سوداء مخصصة للغرض. وانفصل إقليم ناغورني قره باغ ذو الغالبية الأرمينية، عن أذربيجان ذات الغالبية الشيعية الناطقة باللغة التركية، قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، ما أدى إلى حرب أوقعت 30 ألف قتيل في تسعينات القرن الماضي. والمعارك الجارية حاليا هي الأخطر منذ وقف إطلاق النار المعلن عام 1994.تدمير منازل في غنجه وقال الرئيس الأذري إلهام علييف في خطاب السبت "سننتقم في ساحة المعركة". ووصف أعداءه الانفصاليين بـ"الكلاب" وأرمينيا التي تدعمهم بأنها "فاشية". كما اتّهمت تركيا أرمينيا بارتكاب "جرائم حرب". من جهته، ندّد الاتحاد الأوروبي بهذه الضربات ودعا مرة جديدة "الأطراف كافة إلى الكفّ عن استهداف المدنيين". في غنجه، كان سكان يبكون أثناء فرارهم من المكان ليلاً، بعضهم كان لا يزال يرتدي ملابس النوم حسب شهود عيان. وتقول روبابا زهافاروفا من أمام أنقاض منزلها "كل المنازل المجاورة دُمّرت. هناك كثير من الأشخاص تحت الأنقاض. بعضهم قُتل وآخرون جُرحوا". وكان عشرات عناصر الإنقاذ يبحثون ليلاً عن ناجين بين الأنقاض. بعد بضع ساعات، وضع فريق إنقاذ في سيارة إسعاف أكياساً سود تحوي أشلاء جثث. وقال مايل شاخنازاروف: "ليس بإمكاننا التعرّف إلى الجثث، لا نعرف إذا كنا سنتمكن من التعرف إليها في المشرحة. كلها مقطّعة". وصرخ رجل كان مسعف يأخذه إلى سيارة الإسعاف "زوجتي كانت هناك، زوجتي كانت هناك".شاهد: سلطات قره باغ تحث الناس على الانضمام إلى الميليشيات وحمل السلاحمعارك عنيفة في ناغورني قره باغ والصليب الأحمر الدولي يحذّر وقال أحد السكان إنه شاهد سحب طفل وامرأتين وأربعة رجال من الأنقاض. وروى إلمير شيريزاداي أن "امرأة فقدت رجليها. هناك آخر فقد ذراعاً". واستُهدفت غنجه التي تعدّ 300 ألف نسمة، مرارا منذ بدء النزاع، خصوصاً الأحد عندما سقط فيها صاروخ أودى بعشرة أشخاص. وأكد الانفصاليون الأرمن السبت أن المدينة تضمّ "أهدافاً شرعية" هي قاعدة جوية وقيادة لواء وقوات خاصة ومركز عمليات الدفاع الأذري ومستودعات وقود للجيش ومصانع ذخائر. واتّهموا أيضاً أذربيجان باستهدافها ليلاً بنى تحتية مدنية في قره باغ ما يستدعي رداً. وأفاد صحفيون في فرانس برس أن انفجارات هزّت ستيباناكيرت نحو الساعة العاشرة والرابعة والنصف فجرا ودمّرت ضربة جزءاً من سقف مركز تجاري وتطاير زجاج محلات ومبنى سكني. وتقول الأرمينية غايان غاريبيان، التي تبلغ من العمر 45 عاما والتي كانت نائمة في ملجأ فيما كان زوجها على الجبهة: "ما حصل هنا غير منطقي. كيف يمكن للأسرة الدولية أن تكون لامبالية إلى هذا الحدّ!".استمرار المعارك على الجبهة على الجبهة، تتواصل المعارك أيضاً. وأعلن علييف صباح السبت السيطرة على أراض جديدة، خصوصاً فيزولي، "المدينة المحتلة منذ ثلاثين عاماً من جانب وحوش برية". وتمثل هذه المنطقة إحدى المناطق الأذرية السبع التي سيطر عليها الانفصاليون في التسعينات لتشكيل درع حماية لإقليم ناغورني قره باغ. ميدانياً، حققت أذربيجان تقدماً في الأسابيع الأخيرة دون التمكن من الانتصار في معركة حاسمة. ولا تعلن باكو الخسائر التي تتكبدها جراء النزاع، إذ لا تنشر أي حصيلة عسكرية أو مادية أو بشرية. من جهتهم، يقول الانفصاليون إنهم قتلوا آلاف الجنود ويعترفون بأنهم أُرغِموا على التراجع إلا أنهم يؤكدون "السيطرة على الوضع". وأعلنوا رسمياً أنهم فقدوا حوالى 700 عنصر فيما نزح نصف السكان البالغ عددهم 140 ألفاً. وإضافة إلى الخشية من احتمال حصول أزمة إنسانية، هناك مخاوف من تدويل النزاع، إذ إن تركيا تقدم الدعم لأذربيجان بينما أرمينيا التي تدعم الانفصاليين مادياً وسياسياً وعسكرياً، لديها تحالف عسكري مع روسيا.