برامج تلفزيونية تحرق الأعصاب وتروج للثقافة السطحية

  • 8/9/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

كتب صديقنا الاعلامي والأكاديمي القطري الدكتور أحمد عبدالملك مؤخرا مقالا انتقد فيه بقوة برامج الكاميرا الخفية بأسمائها وعناوينها المختلفة التي تطل علينا كل عام في شهر رمضان الكريم، وفيها من السب البواح والضرب واللكم والعبارات المشينة التي تخدش حياء الصائم، بل وتسبب للمشاهد عذابا وتحقيرا واستغفالا. ومما قاله: إن الأمر يحتاج إلى قرار، ولئن خرجت الكلمة والصورة عن وقارهما، وتمت (وحشَنة) البرامج، بعرض صور النحر والإيذاء والحرق والبراميل المتفجرة في الأخبار، فلا يجوز أن يطال ذلك الإيذاءُ والعبثُ برامجَ التسلية، التي تُنتج أساساً من أجل راحة وتسلية الإنسان، لتفقد التسلية معناها الأسمى وتدخل دائرة التعذيب التي لا يُقرها عرف ولا قانون. اتفق مع الصديق قلبا وقالبا فيما ذهب إليه، لكني أضيف أنه ليست برامج التسلية التلفزيونية هي وحدها التي تحتاج إلى مراجعة وتدخل من مسؤولي الإعلام وأصحاب القنوات الفضائية في دول الخليج العربي، وإنما برامج المسابقات الثقافية أيضا. ففي زمن لم يعد فيه الجيل الجديد يقرأ كثيرا أو لم يعد مكترثا بتنمية حصيلته من المعلومات العامة، من المفترض أن تشكل له هذه البرامج معينا، خصوصا وأن متابعيها كثر ليس حبا في الثقافة بقدر ما هو حب في حصد الجوائز النقدية والعينية. غير أن ما لوحظ في هذا العام وكل الأعوام القليلة السابقة هو تبشير تلك البرامج بالتسطيح الثقافي أو ما يمكن وصفه بالاستهبال والابتذال المقترن بالضحك والمزاح والرقص وأصوات قرع الطبول في برامج يفترض فيها الجدية وتلقين المشاهد معلومات صحيحة، ناهيك عن ضرورة ذهاب الجوائز إلى من يستحقها فعلا وليس عبطا. وليت الأمر توقف عند طرح أسئلة غاية في البساطة يعرف إجاباتها حتى الأطفال الصغار مثل: ماهي عاصمة المملكة العربية السعودية؟، أو ما هو لون العلم السعودي؟ أو ماهو الاسم الأول للرئيس أوباما؟، أو ما هو اسم النهر الذي يجري في مصر ويبدأ بحرف الألف (بدلا من النون)؟ في إشارة إلى نهر النيل. هكذا، وهذه مصيبة إضافية بطبيعة الحال لأن الأجوية يجب أن تكون مجردة من أل التعريف. المصيبة الأكبر أن مقدم البرنامج الثقافي لا يملك حصيلة كافية من المعلومات العامة، فنجده يتخبط، ليس في التدخل التصحيح إذا ما ثارت اشكالية حول الإجابة، وإنما أيضا في قراءة السؤال خطأ، رغم ظهوره على الشاشة مسطرا، فقد لاحظناه يقرأ سنـّة (بضم السين وتشديد النون)، بدلا من سنة أي عام في أحد الأسئلة. ووجدناه يخطأ في تهجئة اسم أول زعيم لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية (كونراد أديناور)، وغيره كثير. إلى ذلك فإن مقدم البرنامج لا يكتفي بأن يلقن المتسابق الإجابة عيني عينك بقوله إنها على يسار الشاشة أو يمينها أو في أعلى الخيارات أو أسفلها، وإنما يتساهل مع جوقة الطرب والرقص المصاحبة لبرنامجه ولا يطالبهم بالصمت حينما يصرخون بالإجابة الصحيحة علنا. نعلم مسبقا أن مثل هذه البرامج أعدتْ من أجل توزيع الجوائز على من يستحقها أو من لا يستحقها، من ناحية، ومن أجل حصد المبالغ الطائلة من خلال الفقرات الإعلانية التي تتخللها من ناحية أخرى. لكن ما الذي يمنع أن نسبغ عليها جوا من الجدية والاحترام والالتزام، بل ما الذي يمنع أن نوكل إلى لجنة من المثقفين إعداد أسئلة جيدة ومتقنة تتدرج في صعوبتها، بدلا من أن نوكل إعداد الأسئلة إلى مشاهد ما قد تكون حصيلته المعلوماتية صفرا فيلجأ إلى إرسال أسئلة سخيفة فقط من أجل أن يتباهى أمام أقرانه بظهور اسمه على الشاشة. وفي برنامج مسابقات رمضاني آخر، مليء بكل الاسقاطات التي أوردناها سلفا، نجد مقدم البرنامج الذي تحول من ممثل كوميدي إلى مقدم برنامج ثقافي قد أحضر معه إلى إستوديو التصوير طيرا يذهب إليه ليمسح على ظهره أو يحمله على ذراعه كلما وجد فرصة. فهل من متبرع يخبرني بدواعي وجود الطير العزيز على قلب صاحبه في برنامج مسابقات ثقافي؟ أقول قولي هذا مترحما على برامج المسابقات في الزمن الماضي التي كان يُحضـّر أسئلتها مذيعون من النوابغ في الثقافة العامة، ويقدمونها في جو من الجدية، أي بدون طبل أو زمر أو تسريب علني للإجابات، أو قهقهات، أو إضاعة وقت البرنامج في المناداة على فوفو و دودي، بل لم تكن هناك خيارات على الشاشة كي ينتقي منها المتسابق الإجابة الصحيحة. فرحمة الله عليك يا فهمي يوسف بصراوي الذي علمنا المسابقات الثقافية بادئ ذي بدء من خلال محطة تلفزيون ارامكو الأبيض والأسود في خمسينات وستينات القرن الماضي، ورحمة الله عليك يا شريف العلمي الذي ابتكر ألوانا جديدة وممتعة من المسابقات من خلال برنامج سين وجيم من محطة تلفزيون الكويت، وأطال الله في عمرك يا ماجد شبل الذي يتذكره جيلنا من خلال برامج المسابقات التي كان يقدمها في التلفزيون السعودي في سنوات بثه الأولى. ولا ننسى في هذا المقام أيضا الأستاذ غالب كامل في التلفزيون السعودي في برنامج المسابقات لطلبة المدارس الثانوية الكأس لمن؟ وزميله في تلفزيون قطر فوزي الخميس، وزميله الآخر عمر الخطيب صاحب برنامج بنك المعلومات من تلفزيون أبوظبي.

مشاركة :