الغرب وأزمته السياسية والفكرية مع الإسلام

  • 10/16/2020
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم تكن تخرصات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة ضد الإسلام بتصريحه بأن «الإسلام يعيش أزمة في كل مكان» مستغربة بعد أن تعودنا على سماع مثل تلك التصريحات التي تأتي تارة على لسان السياسيين وتارة أخرى ضمن تحليلات مفكري الغرب الذين نذروا أنفسهم لدراسة تلك الأزمات المزعومة والمستمرة التي يعيشها الإسلام طوال تاريخه.إن التكرار الذي وقع فيه ماكرون هذه المرة لم يعكس أزمة الإسلام كما قال، وإنما عكس بشكل واضح الأزمة الخطيرة التي يعيشها الغرب باختلاف وجوهه وشخوصه والتي يرث ماكرون منها اليوم سياسة أسلافه مثل فرانسوا ميتران ومن قبله ديجول ونابليون مرورا بلويس الرابع عشر وكل من سبقهم، وكل ما يكنه ساسة الغرب في نفوسهم باختلاف دولهم ومشاربهم لهذا الدين الحنيف.أعتقد أنه يمكنني أن أتفهم ولو على مضض تحركات الغرب القديمة وشيئا من السياسات التي أردفت بها، لأننا حينها سنتحدث عن البدايات وعن صراع ربما لم تكن معالمه واضحة للسياسيين الغربيين ورجال الحرب الذين عاصروا فترة انتشار الإسلام الأولى والذين رأوا في انتشاره خطرًا يجب التصدي له. كما يمكنني أن ألمس وأحدد مخاوف الغرب التي عبر عنها السياسيون ورجال دينهم وحربهم قبل أكثر من مائة عام، عندما شرعوا في استعمار الشرق الإسلامي ورسموا الخطط الكفيلة بمنعه من التطور والتقدم وامتلاك وسائل القوة، إذ كانت الأوضاع حينها تشي بشيء من الغموض الذي قد تكون من خفاياه نهضة إسلامية غير متوقعة تعيد إلى الأمة شيئا من مجدها ومن ثم تهدد مسار الخطط الاستراتيجية التي رسموها والتي كان في مقدمتها إنشاء كيان لليهود تقوده الحركة الصهيونية على أرض فلسطين. غير أن المتتبع لتصريحات ماكرون اليوم والمتأمل في حديثه عن الأزمة التي يعيشها الإسلام، والتي يجب التصدي لها بكل حزم وقوة، لا شك أنه يلمس تلك الحاجة الملحة إلى التفكير بعمق في هذه التصريحات التي لم يكن لها أن تقال على لسان أحد زعماء الدول الغربية الكبرى، لولا وجود أزمة حقيقية يعيشها الغرب نفسه وليس الإسلام كما يزعم ماكرون ومن هم على خطاه.كما يقال «الصراخ على قدر الألم»، فهذا التصريح المتشنج الذي لا نرى في أفقه القريب أو البعيد ما يبرره أو يشي بوجود تهديد مادي حقيقي ومباشر يمكن أن يشكله الإسلام على حضارة الغرب، ولا حتى وجود سعي ولو خجول لمقارعة الغرب في حضارته الناعمة المتمثلة في سبقه العلمي أو تفوقه الصناعي ولا حتى في مسلكه الإعلامي الذي دأب على أن يكون سلاحًا فتاكًا لتدمير كل ما هو إسلامي ووسمه بالإرهاب والخراب والتخلف والرجعية؛ فهذا التصريح إذن -بحسب ما أرى- يعكس أزمة حقيقية يعيشها الغرب الذي أصبح يرى بوضوح ما غفلنا عنه والذي بات قاب قوسين أو أدنى من زعزعة مكانته بين الأمم والقضاء على أحلامه وعلى تفوقه وعلى كل مادياته التي بالرغم من كبر حجمها وتعددها وقوة سطوتها فإنها لم تفلح في منع ذلك الخطر الذي يراه ماكرون متمثلا وبشكل حصري في الإسلام الذي تشكل أزمته كما عبر عنها أزمة حقيقية للغرب.لا أعتقد أننا على وجه العموم قادرون على فهم أو حتى تفهم تلك المخاوف التي قد يرجعها البعض إلى خوف الغرب من سرعة انتشار الإسلام في بلادهم، أو من تخوفهم من تلك القدرة العجيبة لهذا الدين على النهوض من جديد بعد التهاوي والسقوط؛ فالمخاوف الغربية كما أعتقد هي أكبر من كل ما يمكن أن نفكر فيه أو ما يتراءى لنا من خلال منظورنا الضيق الذي عجز أساسًا عن فهم هذا الدين وتحديد مصادر قوته وقدرته على بناء الأمة التي رهنت عبر سنين طويلة لتجارب الغرب كي يفعل بها وبكل أبنائها ما يشاء.إننا اليوم مدعوون جميعًا إلى التدقيق في مفردات تلك التصريحات وتحليل التعبيرات التي حملتها تلك الوجوه وهي تدلي بتلك التصريحات، وإلى تفنيد التهديدات المتوالد بعضها من بعض، حتى يمكننا أن نحدد شكل الأزمة التي يتحدثون عنها، ونوع الخطر الذي أجمعوا أمرهم كي يتصدوا له، وهل الإسلام الذي تخلى عنه أهله تقريبًا في شرقهم وغربهم يعيش أزمة فعلا؟ أم أن الأزمة الحقيقية التي يتحدث عنها ماكرون هي أزمة أخلاقية ودينية خسرها الغرب على أرض الواقع وبات فقط ينتظر السقوط المدوي والهزيمة الساحقة؟!

مشاركة :