بيروت- تمزج أليس مغبغب في معرض تشكيلي وفوتوغرافي أسى مدينة بيروت ودمارها مع ذكرى اندلاع انتفاضتها الشعبية ضد الطبقة الحاكمة قبل عام واحد. وبوجه هادئ تعلوه بضع ابتسامات مرسومة بريشة الحزن تمضي صاحبة المعرض الذي يحمل اسمها يوما كاملا تشرح فيه لزوار غاليري مغبغب حكاية معرض قام من بين الركام حمل عنوان (هذه الأرزة التي تقطع). ويحتوي المعرض على أكثر من 50 عملا فنيا يجسد، باللوحات المتعددة الوسائط والمنحوتات والصور الفوتوغرافية والرسوم والفيديوهات أو الشرائط المصورة، الأشجار بكل ما تحمله قصصها من معان خفية ورسائل وجودية وإنسانية. وجاء في المنشور الصحفي الموزع عن المعرض أن "كل سنة تسقط غابات ضحية حرائق وحشية مروعة أو موجة التحضر المتفلت التي تكتسح المناطق، مسببة انحسار الطبيعة وتراجع التنوع البيولوجي فيها، كل ذلك أمام لامبالاة زعماء الحرب الذين تحولوا إلى سياسيين، لديهم من الضراوة ما يفوق التصحر الزاحف من الشرق". وفي المعرض المستمر حتى 31 ديسمبر/كانون الأول تحشد مغبغب أعمالا لأربعة عشر فنانا من لبنان وإيطاليا وفرنسا بينهم الفنانون اللبنانيون إيتيل عدنان وهدى قساطلي ونديم أصفر والبلجيكي باسكال كورسيل. ويتزامن المعرض مع الذكرى السنوية الأولى للاحتجاجات الشعبية على فساد الطبقة الحاكمة في البلاد، ويأتي بعد مرور أكثر من شهرين على انفجار في مرفأ بيروت أدى لمقتل نحو مئتي شخص ودمر مناطق عدة من العاصمة. كما يأتي المعرض بعد أيام من مشاهد النيران التي التهمت مساحات خضراء شاسعة من لبنان وحولت غابات وأحراش كثيرة إلى رماد. ومنعا لانغماس الأعمال الفنية بحطب المدن قررت أليس مغبغب تحويل معرضها الواقع في وسط العاصمة اللبنانية إلى فسحة أمل بعد تعرضه للدمار الكامل على أثر انفجار الرابع من أغسطس/آب في مرفأ بيروت. ولم تتردد مغبغب في إعادة سرد قصتها مع معرضها الذي تم افتتاحه السبت وذرفت دموعا مرات عدة لدى اعترافها للزوار بأنها كانت قد قررت ألا تعيد بناء الغاليري بعدما شاهدت حجم الدمار الذي أصابه لاسيما وأنها أعادت ترميمه أكثر من مرة في السنوات الماضية بعد تعرض العاصمة لضربات عنف مختلفة. وتقول مغبغب "لم أنفعل في ذلك اليوم الرهيب بل حاولت جاهدة أن أسعف مع أولادي عشرات الجرحى الذين كانوا ينزفون ويصرخون بخوف في المبنى وأيضا في الأحياء المجاورة. ولكن قراري كان حازما بيني وبين نفسي: سأقفل الغاليري. وواسيت نفسي بأنني حاولت مرارا أن أساهم في خلق أجواء ثقافية انتقائية في العاصمة من خلال المعارض العالمية والمحلية وأيضا من خلال المهرجانات الفنية التي أسستها عبر السنوات. لكن حان الوقت للاستسلام". ولم تمض أيام طويلة حتى عادت مغبغب إلى تجميع قواها وقضاء وقت طويل بين جدران معرضها الذي كان أنيقا مزينا بالكتب واللوحات وتشرح قائلة "عدت لأرى ماذا يمكنني أن أفعل بما تبقى من لوحات وصور وشرائط مصورة ومنحوتات،أرسلها إلى الخارج، أحاول أن أحتفظ ببعض منها تعلقا بالذكريات التي تحملها بين دفتي قصصها الافتراضية". وتقول "اعتبرتها رسالة من الله لكي لا أستسلم وأعترف لنفسي بأنني حاولت مرارا أن أهاجر ولكنني كنت دائما أعود إلى موطني باكية وأنا أطلب منه أن يغفر لي هجري له وكأنني أحدث في الواقع الحبيب الذي هجرته في لحظة انخطاف عابرة". أما الأشجار فجسدت بالنسبة إلى مغبغب فكرة التعلق بالجذور والتشبث بالأرض وخلق منزل وسط الدمار. وتضيف "الشجرة قادرة على الصمود وسط العواصف وجنون الطبيعة ونزواتها". وإذ ترى مغبغب أن الحياة تبدلت بعد الرابع من أغسطس/آب "وأننا لم نعد كسابق عهدنا"، تأخذ قرارها بأنها لن تهاجر وسوف تعيد ترميم الجاليري. وتقول "سأعمل كالسابق وأكثر جهدا لتعود الحياة الثقافية إلى العاصمة، لقد هاجرت ذات يوم، عشت حياة الرفاهية بعيدا عن بلدي، ولكنني كنت امرأة لا جذور لها تعيش الرفاهية في بلد مزين بالأشجار، قد عدنا إلى الشجرة مجددا، لن نغادر سنصمد كالأشجار وسط جنون الطبيعة وهلوساتها". وتحلق الزوار حول لوحات المعرض ومقتنيات وكأنهم يخرجون إلى الحياة للمرة الأولى منذ الانفجار. وقالت سهى الحلو التي كانت تتنقل في أرجاء المعرض "أحاول أن اشبع نظري بكل شيء جميل هنا، نحن أموات أو مشاريع أموات منذ وقوع الكارثة، والآن أحسسنا أننا عدنا إلى الحياة مجددا وأن بيروت لا يمكن أن تموت الحياة فيها".
مشاركة :