تعرفت للوهلة الأولى على أدب القاص عبدالله سالم باوزير عام 2003 من خلال قصته الشهيرة "الحذاء"، وجدتها منشورة في كتاب يحمل عنوان "من الشعر والقصة القصيرة في اليمن" تقديم د. عبدالعزيز المقالح، وهي قصة ذات أبعاد سياسية تنتقد حكم العسكر، كتبت في سبعينيات القرن العشرين. فعندما يقرأ أدب عبدالله سالم باوزير أو عندما يعرج على سيرة حياته يجد القارئ المثقف أنه أمام رجل عصامي عاش حياة كريمة حمل ألمه ومعاناة الإنسان في قلبه وبسبب هذا الحمل الثقيل النبيل الإنساني نجد عبدالله سالم باوزير متنقلاً بين مدينته غيل باوزير وبين مدينة عدن، المدينة التي أحبها وعاش فيها طيلة حياته حتى توفاه الله عام 2004. مدينة عدن مرسى الأدباء التي بنى عبدالله سالم باوزير مجده الأدبي فيها وانطلق منها إلى عواصم الدول العربية، ومن ثم عرفه العالم من خلال بعض قصصه المترجمة لبعض اللغات. فمن شوارع عدن ومن بين جدران بيوتها العريقة التقط عبدالله سالم باوزير شخصيات قصصه وتشكلت هذه الأعمال القصصية بصورة ساحرة وساخرة معًا يكتشفها من قرأ لباوزير أعماله الأدبية كمجموعته القصصية "الحذاء" أو "سقوط طائر الخشب" أو روايته الساخرة "يا طالع الفضاء". فشخصيات عبدالله سالم باوزير شخصيات حقيقية من لحم ودم، صادفها الكاتب في مدينته غيل باوزير أو في المكلا أو شحير أو في عدن، وهي أمكنة ومدن ساحلية تشكل طباع وحياة أبناء المدن الساحلية المعروف عنهم النكتة ورقة الطبع. فمن خلال صفحات كتاب "ذاكرة القصة، أضواء على كتابة القصة" أجد الأفكار والأحداث اللذيذة التي تشكلت منها حكايات أحداث القصة وشخوصها والأسباب التي جعلت الكاتب يحكي حكايته مع أعماله الأدبية وهذه الطريقة شيقة تكشف لنا أسرار بعض الكتَّاب وعلاقتهم بالمكان والشخوص والصعاب أو المواقف الحرجة التي تعرضوا لها مع بعض شخصياتهم على أرض الواقع، وأصبحت الشخصية تطارد الكاتب في الشوارع مثل الإمام الدكتاتور الذي يمنع دخول المصلين المسجد ويغلق الباب عندما يتأخر المصلون على الصلاة، وبعد سنوات تحول هذا الإمام إلى ديمقراطي في المسجد، فنجده لا يغلق المروحة التي يطالب البعض بأغلاقها فيقوم بعملية التصويت. وهذه الشخصية قد حنقت من القاص باوزير عندما علمت بأنه كتب عنها في أعماله الأدبية، وهي قصة ظريفة ذكرتني بحادثة حدثت مع نجيب محفوظ عندما عرج في كتاب "المجالس المحفوظية" تأليف جمال الغيطاني ويقول عن الحادثة؛ "تعرضت حياتي مرة أخرى بسبب إحدى الشخصيات التي استوحيتها من الواقع، أقصد بطل (السراب)، إنه شخصية حقيقية، كان حاصلا على ليسانس الحقوق، اسمه حسين بدر الدين، لم يكن يقرأ أي روايات أو أي نوع من الأدب، أحد أصحابنا من شلة العباسية، لعلك تذكره.. علي محمد علي، ذهب إليه وقال له بسخرية (نجيب كاتب عنك)، عندئذ أخرج مسدسه، وشتمني،ب الطبع اختفيت عنه). وشخصية نجيب محفوظ قريبة من شخصية عبدالله سالم باوزير (إمام المسجد) من حيث حدة الطبع، وعندما وصل إلى سمعه أن عبدالله سالم باوزير كتب عنه زاد حنقه على باوزير فيقول عنه المؤلف؛ "أما الشخصية الثانية وهو رجل عنيف في حديثه فقد أخذ يشتمني وظل غاضبًا عليّ فترة طويلة". ومن خلال هذه الحادثة التي تشبة حادثة نجيب محفوظ نسنتنج أن باوزير يكتب القصة الواقعية المرتبطة بشخصيات حقيقية شاهدها الأديب ونقل أحداثها بطريقة فنية إبداعية. ويعد كتاب "ذاكرة القصة، أضواء على كتابة القصة" الصادر حديثاً، كسيرة الكاتب مع أدبه والمراحل التي عاشها مع شخصياته وأيضًا يصور موقفه من النقاد الذين أهملوا أدبه في بداية مشواره وأنقطع لسنوات عن الكتابة لتسجيل موقف من النقاد. فعاد للكتابة بعد انقطاع خمس سنوات فيقول عن هذا الموقف المؤثر: "هذه القصة كتبتها بعد انقطاع عن كتابة القصة دام أكثر من خمس سنوات كنت فيها محبطًا لصمت النقاد عن الكتابة عني أو حتى الإشارة إلى صدور تلك المجموعة". فنجده مرة أخرى يتوقف عن الكتابة ولكن هذه المرة لكي ينظر إلى أدبه بعين الناقد من أجل التجديد وهي استراحة محارب يحتاجها كل كاتب وأديب في مشواره الأدبي فيقول باوزير عنها؛ "توقفت ثانية حوالي سنتين متأملاً ما كتبته، ثم بعد أن تأكدت من أنني فعلًا جددت في كتابتي للقصة انطلقت منذ بداية الثمانينيات في نشر العديد من القصص". عبدالله سالم باوزير شاهد بألم إهمال أدبه من قبل النقاد، وهذا الإهمال جعله أكثر صلابة فسعى إلى التجديد حتى أصبح من رواد القصة في اليمن.
مشاركة :