عبر مؤتمر دولي انطلق في القاهرة، أمس، بمشاركة واسعة لمسؤولين وخبراء معنيين، تتطلع مصر إلى حلول مبتكرة لنزاعها مع إثيوبيا بشأن «سد النهضة»، الذي تبنيه الأخيرة على «النيل الأزرق»، وتتحسب مصر لتأثيره على حصتها من المياه، التي تعتمد عليها بأكثر من 90 في المائة. وبدأت أمس فعاليات «أسبوع القاهرة للمياه»، في نسخته الثالثة، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحضور عدد من سفراء الدول العربية والأفريقية، وخبراء وزارة الموارد المائية المصرية، ومشاركة مسؤولين من الاتحاد الأوروبي بمجلس المياه العالمي، بهدف الاضطلاع على الأفكار الجديدة لإدارة المياه، وخبرات الدول الأخرى التي تمر بينها أنهار مشتركة، والاستفادة منها في مفاوضات «سد النهضة». واستهلت مصر المؤتمر، الذي يحظى باهتمام إعلامي واسع، بتحذير إثيوبيا من الاستمرار في اتخاذ «إجراءات أحادية» حيال السد، قبيل التوصل لاتفاق ملزم بشأن تشغيله وملئه. وشدد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، على «ضرورة التوصل لاتفاق قانوني مُلزم... بما يحفظ الحقوق والمصالح المشتركة، مع عدم اتخاذ أي قرارات أُحَادية من شأنها التأثير سلبا على الاستقرار بالمنطقة»، معربا عن حرص بلاده على «استمرار عملية التفاوض مع كل من السودان وإثيوبيا للوصول إلى ذلك الاتفاق». وتولي الحكومة المصرية أهمية كبيرة للمؤتمر نظرا لما تعانيه من تحديات في مواردها المائية، وقال مدبولي، في كلمة مسجلة: «رغم التداعيات العالمية في ظل انتشار فيروس (كورونا)، وفرض بعض الدول إجراءات حَظْر السَفرِ للمشاركين من خارج مصر... كان هناك إصرار على عقد أسبوع القاهرة للمياه، باعتباره (منصة فنية للحوار بين الخبراء والعلماء والمُهتمين بقضايا المياه... وتشجيع الأفكار الجديدة التي تُعزز من إدارة المياه)». ويعقد الأسبوع تحت شعار (الأمن المائي من أجل السلامة والتنمية بالمناطق القاحلة)، وتتضمن الجلسات أهم القضايا الإقليمية للمناطق التي تعاني من ندرة المياه. كما يُعَد تمهيدا للمنتدى العالمي للمياه، والمقرر عقده بالعاصمة السنغالية داكار 2021. واعتبر مدبولي أن محور المياه يعد من أهم ركائز الأمن القومي المصري. وبلغ إجمالي ما أَنفقته الحكومة المصرية في قطاع مياه الشرب والصرف الصحي 124 مليار جنيه خلال السنوات الست الماضية، بحسب مدبولي. الذي لفت إلى أن بلاده تبنت برنامجا طموحا لمضاعفة كميات المياه المحلاة، لاستخدامها في قطاع مياه الشرب باستثمارات تبلغ 135 مليار جنيه حتى عام 2030. ودعا رئيس الوزراء الخبراء والفنيين إلى الخروج بتوصيات يُمكن البناءُ عليها في قضايا المياه المشتركة العابرة للحدود، وخاصة أن التصرفات أحادية الجانب لدول المنابع سَـتُؤدي حَتْما إلى نتائجَ سلبية تُهددُ السلم العالمي، ولفت إلى توجه الكثير من دُول المنابع لأَن «تَبْسُطَ هَيْمنتهما على الأحواض المائية لكثير من الأنهار في عالمنا العربي، ليس فقط لإنتاج الطاقة الكهرومائية، وإحياء المشروعات الزراعية، بل للسيطرة على التدفقات المائية وإلحاق الضرر بدول المصب المُتشاطئة». وأخفقت مصر والسودان وإثيوبيا في التوصل إلى حل توافقي، يبدد مخاوف دول مصب نهر النيل، من تأثير السد على حصتيهما في مياه النيل، رغم مفاوضات مطولة، بدأت قبل نحو 10 أعوام. ومنذ يوليو (تموز) الماضي، يرعى الاتحاد الأفريقي، جولة جديدة من المفاوضات، غير أنها عُلقت نهاية أغسطس (آب) الماضي، بعد خلافات فنية وقانونية، حيث تطالب مصر والسودان باتفاق قانوني ملزم يشمل النص على قواعد أمان السد، وملئه في أوقات الجفاف، ونظام التشغيل، وآلية فض النزاعات. وتعد مصر من أكثر دول العالم جفافا، كما نوه محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية المصري، في كلمته أمس، مشيرا إلى أن هناك تحديا كبيرا في التوازن بين الاحتياجات والموارد المتاحة التي تأتي أكبر من 97 في المائة من خارج الحدود، وعدم القدرة على الاعتماد على المياه الجوفية، نظرا لكونها موردا يتعرض للنضوب. ومن أهم الموضوعات التي سيستعرضها «أسبوع القاهرة للمياه» هذا العام هو المياه العابرة للحدود، وكيفية الاستفادة من خبرات الدول الأخرى في تحقيق التعاون بين الدول. وقال رجب عبد العظيم وكيل أول وزارة الموارد المائية المصري، إن المؤتمر «فرصة لتوجيه رسالة إلى الداخل والخارج... إلى الداخل للمصريين بأن مواردنا المائية محدودة واحتياجاتنا المائية في تزايد مستمر وبالتالي واجب على كل مصري أن يحافظ على المياه ويرشدها، أما الرسالة للخارج فهي أن المياه والسلام مرتبطان ارتباطا وثيقا». ويعقد أسبوع القاهرة للمياه، خلال الفترة من 18 إلى 22 أكتوبر الحالي، وتتضمن فعالياته أكثر من جلسة عن سد النهضة، بحضور السفير الإثيوبي. بدوره، أكد المفوض العام لسياسات الجوار والتوسع بالاتحاد الأوروبي أوليفر فاريلي، في كلمة مسجلة، أن الاتحاد عمل في قطاع المياه لتحسين جودة المياه ومعالجة مياه الصرف، بالتعاون مع مصر، مشيرا إلى أن الاتحاد وفر نحو 500 مليون دولار لتعزيز استراتيجية المياه في مصر وبرنامج الصرف الصحي من خلال مشروعات ملموسة وجادة.
مشاركة :