الأولوية القصوى لمحاربة الفساد

  • 10/19/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في المرحلة الزمنية التي تندفع بلادنا خلالها نحو تأسيس وتطوير وتنمية أرض صلبة لاقتصادنا ومجتمعنا، وصولا إلى تحقيق المستهدفات النهائية لرؤية المملكة 2030، فإنه في حكم المؤكد أن أحد أكبر معوقات الوصول إلى تلك المستهدفات، يتمثل في تغلغل مختلف أشكال الفساد وتجرثمه في أي من النشاطات الاقتصادية واسعة التنوع والتعدد، سواء كان في القطاع الحكومي وشبه الحكومي أو في القطاع الخاص أو في المشاريع المشتركة بين تلك القطاعات الرئيسة. لأجل هذا أخذت القيادة الرشيدة لبلادنا - أيدها الله - بحزم غير مسبوق، وفي أعلى سلم أولوياتها الوطنية محاربة الفساد بكل أشكاله، ورسخت العمل بالمنهجية الأقوى فاعلية في التصدي لهذا العدو اللدود لأي اقتصاد في حياة البشر بالبدء بمحاربته من الأعلى إلى الأسفل، وألا يستثنى منه كائنا من كان مهما بلغ منصبه أو موقعه الاجتماعي، وهو الأمر الذي شهد على صدقه وتحققه تماما الواقع قبل القول، وأصبح عيانا بيانا طوال الأعوام الأخيرة، بل لقد تحول إلى منجز وطني فريد، ووصل إلى أن أصبح النموذج الذي يطالب كثير من المجتمعات من حولنا بالاحتذاء به، وتحول إلى مؤشر استرشادي بالنسبة لتلك المجتمعات، لقياس جهود أجهزتها الحكومية وفعاليتها مقارنة بما تم إنجازه في تجربتنا المحلية على طريق محاربة الفساد وتطبيق العقوبات على المتورطين فيه. وكما أن استشراء مختلف أشكال الفساد في عموم نشاطات الاقتصاد، يعد الخطر الذي يتسبب في نهب وسرقة الأموال العامة، وإضعاف النمو الاقتصادي، وإفشال جميع جهود التنمية الشاملة والمستدامة، وإسقاط هيبة الأنظمة والتشريعات، وطرد الثقة من بيئة الأعمال المحلية، والتوسيع الهائل للفوارق بين مستويات دخل أفراد وطبقات المجتمع، فإنه من المؤكد أن محاربته ستأتي بعكس تلك الآثار الأكثر تدميرا على أي مجتمع واقتصاد، وتعني أيضا أن الجهود العملاقة المبذولة على أرض الواقع لأجل الإصلاح ومعاقبة كل من تسول له نفسه ارتكاب أي فعل فاسد، وتطبيق الأنظمة عليه، واسترداد ما سرقه أو استولى عليه بغير وجه مشروع إلى ممتلكات الدولة والمال العام، كل ذلك سيكون من أولى نتائجه الملموسة إرساء الثقة بجميع أنحاء بيئة الأعمال المحلية، ويعزز كثيرا من فرص النمو الاقتصادي، ويفتح آفاقا واسعة لتطوره وزيادة تنوعه الإنتاجي، ما سيترتب عليه تحقق كثير من الإيجابيات على مستوى تحسن مستويات دخل الأفراد والأسر، وتقلص تباين مستويات الدخل بين طبقات المجتمع، وسهولة استغلال فرص الاستثمار المحلية، وسرعة تدفق الثروات والمدخرات إلى تلك المشاريع المجدية، من خلال قنوات تتسم بالشفافية والنزاهة والحوكمة الشاملة والصارمة، وهو الأمر الذي ستبرز نتائجه الإيجابية المهمة في أقل من عقد زمني مقبل بصورة متصاعدة، حتى يصل المجتمع والاقتصاد إلى درجة عالية من المناعة ضد أي ممارسات أو أشكال تنتمي إلى عالم الفساد، وتتحول الأمور إلى ما يشبه الثقافة الراسخة في حياة الأفراد، ليتشكل جدار صلب لحماية مقدرات البلاد والعباد، يسهم في بنائه الجميع دون استثناء، فلا يقدم بعدئذ على ارتكاب أي شكل من أشكال الفساد إلا من أراد لنفسه الهلاك. ولو نظرنا جميعا إلى كل تفاصيل المئات من القضايا التي أعلنت ولا تزال تعلنها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد من فترة إلى أخرى، ولاحظنا القواسم المشتركة بين المتورطين في تلك القضايا، وتسببهم في تعثر المشاريع التنموية، والاستيلاء على الأموال العامة والأراضي، وسوء استغلالهم مواقعهم الوظيفية العامة، وخيانتهم للأمانة التي تحملوها، وغيره من أوجه التقصير والإهمال وعدم الوفاء بالواجبات الرسمية عليهم. يمكن للمتابع الحصيف في ضوء ما تقدم ذكره سالفا، استنتاج الآثار المدمرة لتلك الممارسات على كثير من أشكال وأنماط نشاطاتنا الحياتية، وكيف أنها وقفت بجرمها وجرم مرتكبيها خلف كثير من الأزمات والمشكلات والتحديات التنموية، التي طالما تسببت في المعاناة الكأداء لكثير من أفراد المجتمع حتى منشآت القطاع الخاص، عدا ما تسببت فيه من حدوث قصور في أداء الأجهزة العامة تجاه مهامها ومسؤولياتها. يأتي هذا التركيز على تلك الجوانب المشار إليها أعلاه، للتأكيد أن من أهم نتائج ملاحقة المتورطين في جرائم الفساد، وتطبيق العقوبات المستحقة نظاما بحقهم، من شأنه أن يعيد الأمور إلى نصابها العادل الذي لأجله وجدت تلك الأجهزة العامة، ولأجله وضعت وأقرت الأنظمة والتشريعات والإجراءات، ولأجله أيضا خصصت المليارات من الأموال العامة لتنفيذ المشاريع التنموية، التي ترتقي بمقدرات البلاد والعباد، وتلبي أيضا احتياجات الدولة والمجتمع والاقتصاد، ولهذا كلما رأينا جميعا تحقق تلك الجهود المباركة من هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، وتكاملها مع تعاون بقية الأجهزة العامّة الأخرى وأفراد المجتمع، فإن كل ذلك يؤكد أن زوال أغلب - إن لم يكن كل - ما وقف خلف أي أزمات أو تحديات تنموية أو قصور في أداء الأجهزة العامة، يعني تماما زوال تلك النتائج أو الآثار السلبية، وتحول كثير من أنماط وأشكال نشاطاتنا إلى مستويات أفضل وأحسن في منظور الأعوام القليلة المقبلة بمشيئة الله، وكلما بادر الجميع من أجهزة عامة ومنشآت قطاع خاص وأفراد مجتمع من مواطنين ومقيمين على حد سواء، في التعاون مع هيئة الرقابة ومكافحة الفساد جاءت النتائج الإيجابية المرتقبة بوتيرة أسرع.

مشاركة :