الانتعاش المحدود في معدلات الاستهلاك لدى الأمريكيين يساعد أسهم الشركات الأمريكية على الصمود في وجه هوامش أرباحها الهشة وتقييماتها المحبطة. إلّا أن هناك مِنْ دعاة تنشيط الأسهم مَنْ يأمل بأن يساعد الإنفاق الاستهلاكي الذي يمثل 70% من الاقتصاد الأمريكي، على تحسين مستويات الأرباح، حتى وإن بقيت ضمن هوامش ضيقة. فقد بلغت صفقات الاندماج والاستحواذ أكثر من تريليون دولار خلال النصف الأول من العام الجاري، كما أن موجة إعادة شراء الأسهم، وتوزيع الأرباح على المساهمين تشهد طفرة غير مسبوقة. ويبدو أن هوامش الربح قابلة للاستمرار خلال عام 2015، رغم ارتفاعها نسبياً. وقد استقرت نسبة أرباح التشغيل خارج القطاع المالي في حدود 12% على مدى السنوات الأربع الماضية. ولا يبدو صافي الأرباح عرضة للتأثر بارتفاع معدلات الضريبة أو تبعات رفع أسعار الفائدة، حتى لو أقدم الاحتياطي الفيدرالي على رفعها هذا العام. وتبلغ ديون الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500، عدا شركات القطاع المالي ما يقارب ال 2.1 تريليون دولار. وكل رفع في أسعار الفائدة بنقطة مئوية يزيد حجم تلك الديون بنسبة 1.2%، أو يكبد تلك الشركات 13.7 مليار دولار. أضف إلى ذلك أن معدلات الفائدة الأعلى سوف تعزز مكاسب القطاع المالي ومعدلات النمو في الأجور التي لاتزال أدنى من 3%، وهي النسبة التي كانت سائدة في الدورة الاقتصادية السابقة. ورغم الارتفاع مؤخراً في العائد على السندات، فلاتزال العائدات المتوقعة على الأسهم جذابة قياساً على غيرها من الأصول. وقد بلغت نسبة المخاطر على الأسهم، أو ما يعرف باسم الربح الفائض الذي يتجاوز نسبة الفائدة على الاستثمار في أوعية الدخل الثابت، 5.3% أي أعلى من متوسط معدلاتها البالغ 3.7% منذ ستينات القرن الماضي. ورغم أننا لا نتوقع تراجعاً في معدلات هوامش الربحية أو في تقييم الشركات، لكنها لن ترتفع أيضاً. فالعائد على الأسهم لا يمكن أن يفوق نسبة النمو في الأرباح الذي سيبقى ثابتاً خلال موسم الربع الثاني، بسبب الانخفاض الحاد في أرباح شركات النفط. وفي ما عداها، يمكن أن يبلغ متوسط أرباح الشركات المدرجة على مؤشر إس آند بي 500 ما بين 5 و7%. وتتزايد الآمال بارتفاع معدلات الأرباح خلال الفصلين الثالث والرابع بعد أن استقر الدولار نسبياً، ما يعود بالنفع على الشركات التي تشكل أرباحها خارج الولايات المتحدة النصيب الأكبر من ناتجها. وهناك محركان رئيسيان يدفعان نمو معدلات الأرباح، أحدهما الاستهلاك. فبعد الشتاء القاسي يفترض أن يكون المستهلكون صحوا من سباتهم. وقد سجل مؤشر مبيعات التجزئة نمواً بنسبة 1.2% على أساس شهري في مايو/أيار، كما سجل تقرير الوظائف رقماً مشجعاً عند 280 ألف وظيفة. لكن اللافت في نشاط المستهلكين كان مبيعات السيارات التي سجلت أعلى رقم منذ عشر سنوات، وأذونات البيوت الجديدة التي بلغت مستويات ما قبل الأزمة. وعلى أي حال سجلت الشركات التي تستفيد بدرجة أكبر من النشاط الاستهلاكي نتائج أفضل. إلّا أن رفع أسعار الفائدة واحتمالات ارتداد أسعار النفط تحول دون أي تقييمات أعلى لأسهم هذه الشركات. كل هذا يجري بعيداً عن الاستثمار حيث تبدو الصورة مشوشة في الوقت الراهن. فخلال شهري إبريل/نيسان، ومايو/أيار الماضيين، جاءت الطلبيات على السلع الاستثمارية، وهي المؤشر الذي يعطي تقديرات تقريبية حول حجم استثمارات الشركات، أدنى مما كانت عليه خلال السنوات الثلاث الماضية. وخلال العقدين الماضيين لم يسبق أن شهد اقتصاد الولايات المتحدة مثل هذه الظاهرة في الظروف الطبيعية، أي خارج فترات الركود. وقد بلغت استثمارات قطاع الطاقة الأمريكي 32% من إجمالي الإنفاق الاستثماري في الشركات المدرجة على مؤشر إس. آند. بي 500 لعام 2014، ومن المتوقع أن يتراجع إلى 25% هذا العام. أما القطاع الذي سوف يستفيد من زيادة الإنفاق الاستهلاكي فهو قطاع التقنية. فتقنيات الحوسبة الغمامية والأجهزة المتحركة والتجارة الإلكترونية والأمن الشبكي، كلها تشكل عوامل دفع لتنشيط الإنفاق في قطاع تقنية المعلومات. واللافت أن التوجه العام في الإنفاق الاستثماري ليس سالباً. فقد بلغت الزيادة في هذا الإنفاق خلال الربع الأول، عدا شركات النفط 8.2%، وبعد تلاشي تأثير أزمة الطاقة يتوقع أن يصبح الإنفاق أقوى. وفي نهاية المطاف في مثل الظروف السائدة حالياً، ينبغي أن تحقق الشركات المدرجة على مؤشر إس. آند. بي 500 تقدماً ملحوظاً. لكن لابد أن يقتنع القائمون على قطاع الأعمال بأن الاستثمار يمكن أن ينعش الأرباح بدل أن يدعم الميزان الختامي.
مشاركة :