بعث رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي في أول حوار تلفزي له برسائل تهدئة مع مختلف مكونات المشهد السياسي على غرار مؤسسة رئاسة الجمهورية والمنظمات الوطنية والأحزاب البرلمانية، في ظل الوضع الراهن وما يتطلبه من تحديات اقتصادية واجتماعية تفرض العمل السياسي المشترك في كنف الهدوء بعيدا عن التوتر والمناكفات والصراعات. تونس - وصف رئيس الحكومة هشام المشيشي علاقته بالرئيس التونسي قيس سعيد بـ”الجيدة جدا” في خطوة يرى مراقبون من خلالها تقديم المشيشي لرسالة تهدئة ومسعى لتنقية الأجواء مع رئاسة الجمهورية بعد التوتر الذي شاب العلاقة بينهما مؤخرا، علاوة عن علاقاته الجيدة مع بقية الفاعلين السياسيين والاجتماعيين مثل اتحاد الشغل والأحزاب السياسية. وأكد رئيس الحكومة التونسية على أن علاقته مع رئيس الجمهورية قيس سعيد ”طيبة جدا، علاقة احترام ومؤسساتيا علاقة يحكمها الدستور” نافيا ما يروج حول توتر العلاقة بينهما. وقال المشيشي في حوار له على التلفزيون الرسمي التونسي، الأحد، “إن الحكومة هي حكومة كفاءات مستقلة لكن في استقلاليتها يتم التشاور مع عديد الأطراف بما فيها رئاسة الجمهورية”. وعن بوادر الخلافات بينه وبين سعيد التي تجلت بوضوح في بلاغ للحكومة بشأن كيفية التعامل مع رئاسة الجمهورية قال المشيشي ”الأصل في الأشياء أن يكون التفاعل مع رئيس الجمهورية عن طريق رئيس الحكومة وقد ذكّرت الوزراء بذلك.. هي مسألة إجرائية وتنظيمية لا غير”. وحملت الفترة الماضية معها الكثير من الأحداث التي أشّرت على وجود أزمة بين رئاستي الجمهورية والحكومة خاصة بعد إقالة وزير الشؤون الثقافية وليد الزيدي ما جعل العديد من المراقبين يرجحون أن المشيشي يتجه نحو الإعلان عن تعديل وزاري وأن الخلافات مع الرئيس سعيد بدأت تتفاقم خاصة وأن الزيدي تمسك به سعيد رغم إعفائه من قبل رئيس الحكومة المكلف في وقت سابق. وفي هذا الإطار، أوضح المشيشي ”المحدّد في الإعفاء كان الخروج عن واجب التحفظ وعن واجب الانضباط والتضامن الحكومي”. ويرى مراقبون أن العلاقة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية يضبطها الدستور فضلا عن الجانب البروتوكولي والتنظيمي للأدوار والصلاحيات. وأفاد أستاذ العلوم السياسية محمد الصحبي الخلفاوي “أن العلاقة بين سعيد والمشيشي يحكمها الدستور وبروتوكوليا لا يستطيع رئيس الحكومة أن يظهر للعلن ويقول إن علاقته برئيس الجمهورية متوترة”. وأضاف الخلفاوي في تصريح لـ”العرب”، “المشيشي يقوم بإعادة تنبيه على رئيس الجمهورية بعدم التدخل في صلاحياته، وأكد أنه سوف يتصرف كرئيس حكومة”. وأشار المحلل السياسي إلى “وجود تهدئة شخصية وإعادة تفكير في إختصاصات الرجلين، والتهدئة اليوم مفروضة على سعيد وغيره خصوصا مع الاتحاد العام التونسي للشغل”. كما أشار إلى أن “ظاهريا هناك وقوف على مسافة واحدة من الجميع لكن المشيشي في تحالف برلماني مع النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة”. ويبدو أن التأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات السياسية داخل مؤسسات الدولة، بات الهدف الأول لحكومة المشيشي التي وضعت في إطار زمني وسياسي صعب، ما دفع المشيشي لنفي أن تكون العلاقة متوترة بينه وسعيّد، ومؤكدا أنّ العلاقة المؤسساتية هي مسألة تنظيمية. وترى الأوساط السياسية أن توفير مناخ سياسي ملائم بين مختلف مؤسسات الدولة (رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان) سيضفي طابعا من التوافق والانسجام بين الأطراف السياسية، لاسيما وأن حكومة المشيشي تعترضها رهانات من الحجم الثقيل. وأفاد النائب بالبرلمان عن كتلة قلب تونس فؤاد ثامر “أن خطاب رئيس الحكومة تضمن عدة رسائل إيجابية وهو خطاب المكاشفة والمصارحة”. وأضاف ثامر في تصريح لـ”العرب”، “المشيشي فتح الأمل للتونسيين للذهاب في حلول توافقية بناءة، ولم نر الأنا أو النرجسية في المشيشي كما عهدناها في رؤساء حكومات سابقين، وفهمنا أنه يمسك بزمام الأمور”. ولاحظ النائب البرلماني ضرورة أن تعمل مختلف مؤسسات الدولة في مناخ سليم وبعلاقات متينة بينها و”المطلوب أن يلتزم الجميع بالدستور بعيدا عما يريد تعكير صفو العلاقات وبث الارتباك والضبابية في المشهد السياسي”. ولم تقتصر تصريحات المشيشي على التطرق إلى مسألة “الخلاف” مع رئاسة الجمهورية، بل سارع رئيس الحكومة التونسية إلى التأكيد أكثر من أي وقت مضى على أن “الحكومة مستقلة ولكن استقلاليتها لا تعني أن تدير الظهر للأحزاب وهي تحظى بحزام سياسي من الأحزاب التي صوّتت لمنحها الثقة وأشار إلى أنّ الحكومة تتشاور مع كلّ الأطراف دون استثناء”. ويتجدد تأكيد المشيشي من مناسبة إلى أخرى بكونه يتخذ المسافة ذاتها من جميع الأطراف السياسية وينأى بنفسه عن الجميع، مخافة أن يصطدم بعقبات أخرى تعطل المهمة الاقتصادية والاجتماعية التي أوكلت إليه. وسبق أن أثارت طبيعة العلاقة بين مؤسستي رئاسة الجمهورية والحكومة جدلا واسعا، وذهب الكثير إلى فرضية الدخول في مواجهة شاملة بين الرئيس وذراعه السابقة في وزارة الداخلية. وكشف رفض سعيّد، تعيين رموز النظام السابق (مستشارين) في المناصب الحكومية عن خلافات حادة بينه وبين رئيس الحكومة الذي اختاره لهذا المنصب. وتعمق الخلاف بين الرجلين بعد أن قرّر المشيشي إقالة وزير الشؤون الثقافية من منصبه، بعد إثارته لجدل واسع برفضه تنفيذ الخطة الحكومية بوقف الفاعليات والأنشطة لمواجهة تفشي فايروس كورونا. وعلّل الزيدي موقفه الرافض بالمثول للخطة الحكومية بخوفه على من يقتاتون على المسرح والنشاط الفني، قائلاً إنّ وزارته “ليست وزارة تنفيذ بلاغات حكومة”. ولعب التحالف البرلماني الذي تقوده حركة النهضة دورا مهما في الدفاع عن صلاحيات المشيشي في مواجهة سعيد من جهة، واسترضاء للأحزاب حفاظا على حكومته من جهة ثانية.
مشاركة :