محللون: حروب ترمب التجارية حققت مكاسب قليلة للاقتصاد الأمريكي .. والأضرار طويلة الأمد

  • 10/20/2020
  • 00:15
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بعد أربعة أعوام في السلطة، فشل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تحقيق وعده بخفض العجز التجاري للولايات المتحدة، بينما وجه ضربة سيطول أمدها للنظام الاقتصادي التعددي الذي يشكل أساس التجارة العالمية، بحسب محللين. لكن حتى إن فاز منافسه الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، يرجح أن تبقي السياسة التجارية للولايات المتحدة على شيء من الحمائية، وأن تتواصل المواجهة مع الصين، وفقا لـ"الفرنسية". وكان من بين أبرز المواضيع التي ركزت عليها حملة ترمب في 2016 أن الولايات المتحدة - أكبر قوة اقتصادية في العالم - تستغل من قبل شركائها التجاريين. وتعهد الرئيس بإحداث تحول في ترتيبات التجارة العالمية وخفض العجز التجاري لبلاده. وبالفعل، أحدث ترمب تحولا في منظمة التجارة العالمية، لكن العجز التجاري للولايات المتحدة ازداد في عهده، بينما يشير محللون إلى أنه لم يحقق كثيرا في هذا الصدد. ويشير إسوار براساد الأستاذ في جامعة كورنيل، إلى أن "سياسات ترمب التجارية حققت مكاسب قليلة ملموسة للاقتصاد الأمريكي، بينما قوضت المنظومة التجارية متعددة الأطراف، ما تسبب بدوره في خلل في التحالفات طويلة الأمد مع شركاء الولايات المتحدة التجاريين وأحدث حالة من الضبابية". وبينما تقلص بالفعل العجز التجاري بين الولايات المتحدة والصين - هدف ترمب الأساسي - إلا أن الواردات من كندا والمكسيك ارتفعت بشكل كبير، وهو ما عمق العجز الإجمالي. وأفاد دوفين غيانلوكا أوريفيتشي أستاذ العلوم الاقتصادية لدى جامعة باريس، بأن رفع الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على عديد من المنتجات "حمى المصنعين الأمريكيين". لكن هذه الرسوم رفعت في الوقت ذاته تكاليف الإنتاج بالنسبة إلى الصناعات الأمريكية، وأظهرت مدى الاعتماد على الموردين الصينيين. وباتت البنية التحتية الاقتصادية العالمية اليوم في حالة تغير عميق. ويقول إدوارد ألدن الصحافي والكاتب المتخصص في السياسة التجارية الأمريكية من مجلس العلاقات الخارجية للأبحاث، إن "سياسته كانت بكل وضوح مضرة بشكل كبير بالنسبة إلى أوروبا ومنظمة التجارة العالمية، وهو أمر سيصعب إصلاحه". وشل رفض ترمب تعيين قضاة جدد، نظام فض النزاعات في منظمة التجارة العالمية، ما شكل ضربة لجهاز تحكيم نظام التجارة العالمي متعدد الأقطاب. بدوره، أفاد سبيستيان جان مدير مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية، وهو المركز الفرنسي الرئيسي المعني بالأبحاث والاقتصاد الدولي، أن "دونالد ترمب أظهر أنه قادر على التدمير، لكنه غير قادر على البناء". وأضاف "عند النظر إلى ما حصل عليه من الصين، يشعر المرء بالرغبة في القول: كل هذا من أجل ذلك؟". وتركت الهدنة التي تم التوصل إليها في كانون الثاني (يناير) لإنهاء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مسائل خلافية رئيسة دون حل، على غرار سرقة الملكية الفكرية والنقل القسري للتكنولوجيا. وفي الأثناء، "أدت تصريحات إدارة ترمب وقرارته السياسية العشوائية إلى نظرة عامة للولايات المتحدة أنها شريك تجاري لا يمكن الاعتماد عليه ولا الوثوق به"، بحسب براساد من جامعة كورنيل. ودفع الأمر دولا معينة إلى تجاوز الولايات المتحدة وإبرام اتفاقيات تجارية ثنائية أو متعددة الأطراف، على غرار مضي دول منطقة الهادئ قدما بالتوصل إلى اتفاق بعدما أعلن ترمب انسحاب بلاده من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. وروج ترمب لمهاراته في إبرام الاتفاقيات باعتباره رجل أعمال ناجحا قبل انتخابه، لكنه لم يبد كثيرا من الفهم للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف الحساسة والصعبة. وبدلا من ذلك، فضل التعبير علنا عن امتعاضه من قطاع السيارات الألماني والضرائب الفرنسية على شركات التكنولوجيا العملاقة. وأدت أعوام ترمب الأربعة في السلطة إلى "ضعف المنظومة التجارية متعددة الأطراف متجسدة في منظمة التجارة العالمية التي لعبت الولايات المتحدة دورا أساسيا في تأسيسها"، بحسب براساد. ومن شأن ذلك أن يصعب تحقيق الكثير فيما يتعلق بالتعاون لدعم تعاف مستدام للاقتصاد العالمي من أزمة فيروس كورونا. ويرجع الصحافي ألدن فضل النجاح في إعادة التفاوض على اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة مع كندا والمكسيك إلى ترمب، الذي دعم الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء، جهوده في هذا الصدد. كما أن جان يشير إلى فضل الرئيس الأمريكي في تغيير قواعد اللعبة حيال الصين، وهو أمر أسهم في دفع الاتحاد الأوروبي لتغيير سياسته تجاه بكين، بما في ذلك انضمام دول أوروبية عدة إلى الولايات المتحدة في حظر معدات أنظمة اتصال الجيل الخامس من الإنترنت التابعة لـ"هواوي". وأفاد مركز الأبحاث الأوروبي "بروجل"، الذي يتخذ من بروكسل مقرا، بأنه يعتقد أن فوز بايدن سيعني عودة إلى الأسلوب الأمريكي الأكثر لباقة في الدبلوماسية. لكن المضمون قد لا يتغير كثيرا. وقال ألدن إن "الخلافات بين ترمب وبايدن بشأن التجارة أصغر من تلك المرتبطة بعديد من المسائل الأخرى". وتشددت مواقف الديمقراطيين والجمهوريين في الأعوام الأخيرة حيال الصين، التي لا ينظر إليها على أنها خصم يجب احتواؤه، إذ إنها لم تتطور إلى اقتصاد سوق حرة كما كان يؤمل. وقالت فيكي ريدوود من "كابيتال إيكونوميكس"، إنه "في ظل أي المرشحين، يرجح أن يتسع نطاق الحرب الاقتصادية". وأضافت أن "الحرب التجارية كانت في الأساس أمرا لا بد منه، نظرا إلى صعود الصين اقتصاديا وتواصل ذلك بمستويات عالية من التدخل من قبل الدولة بدلا من تبني قوى السوق". وأحدثت خطوات ترمب المشددة في السياسة الخارجية، التي كشف عنها مرارا بتغريدات معبرة عن غضبه، شرخا ليس مع ألمانيا فحسب، بل مع معظم دول أوروبا. وقالت سودها ديفيد - ويلب من مركز "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة"، إن "العلاقة عبر الأطلسي باتت فعليا على جهاز الإنعاش". وأفاد الخبراء بأنه حتى إن فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر)، فلن يكون هناك حل سحري يردم الهوة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وأظهرت استطلاعات للرأي أجراها أخيرا "مركز بيو للأبحاث"، أن صورة الولايات المتحدة في أوساط الأوروبيين، تراجعت إلى مستويات قياسية، حيث لم يعد إلا 26 في المائة من الألمان ينظرون بشكل إيجابي الآن إلى القوة العظمى. وأفاد بروس ستوكس من مركز "شاتهام هاوس"، بأنه يمكن إرجاع "الحكم القاسي" هذا إلى الاعتقاد السائد بأن حكومة ترمب "أساءت إدارة أزمة كورونا المستجد". وتضيف ديفيد - ويلب، أن "الأوروبيين ينظرون إلى أمريكا ويعتقدون أن هناك عديدا من المسائل الداخلية التي تفكك البلاد، وبالتالي كيف يمكنها أن تكون شريكا جيدا (في وقت كهذا)؟". وانطلاقا من انسحابها من اتفاقية باريس للمناخ وصولا إلى فرض رسوم على واردات الفولاذ والألمنيم من الاتحاد الأوروبي وإضعاف منظمة التجارة العالمية، وجه ترمب ضربة تلو الأخرى للتعددية التي يوليها الأوروبيون أهمية بالغة كنهج في التعامل مع التحديات الدولية. وصدم حلفاء بلاده حينما وصف الاتحاد الأوروبي بأنه خصم في مجال التجارة، بينما "أخاف الناس" بتودده إلى روسيا، بحسب ستوكس. ولطالما كانت ألمانيا، بقيادة أنجيلا ميركل، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، في عين عاصفة غضب ترمب لأسباب عديدة، لعل أبرزها إخفاقها في بلوغ أهداف حلف شمال الأطلسي للإنفاق على الدفاع. وحتى على المستوى الشخصي، لا يخفي أي من أقوى نساء أوروبا، التي تغادر منصبها العام المقبل، وسيد البيت الأبيض، عدم استلطاف أحدهما الآخر. وبخلاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي حاول إثارة إعجاب ترمب عبر عرض عسكري وعشاء مبهر في برج إيفل قبل أن تتردى العلاقات بينهما، لم تحاول ميركل يوما ملاطفة الرئيس الأمريكي المتقلب. وطغى الفتور على العلاقات أكثر في حزيران (يونيو) بعدما رفضت دعوة لحضور اجتماع لمجموعة الدول السبع في واشنطن جراء المخاوف المرتبطة بفيروس كورونا المستجد. وبعد ذلك بوقت قصير، أعلن ترمب أنه سيخفض عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين في ألمانيا. وقال ستوكس "لديه مشكلة حقيقية في التعامل مع النساء القويات". لكن ترمب أقام بعض الصداقات في القارة، على غرار فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري، الذي يشاطره معاداة المهاجرين. وأعرب الأخير علنا عن دعمه إعادة انتخاب الرئيس الجمهوري. وقالت جاستينا جوتكوسكا من "مركز دراسات الشرق"، إن بولندا، التي ستستفيد من إعادة نشر ترمب قوات بلاده، اختبرت "إعادة انخراط الولايات المتحدة"، وتشارك واشنطن معارضتها مشروع "نورد ستريم 2" المثير للجدل لمد أنابيب غاز بين روسيا وألمانيا. ويتوقع الخبراء أن يجري نائب الرئيس الأسبق زيارة إلى أوروبا بعد وقت قصير من فوزه، حال تحقق ذلك، والانضمام إلى اتفاقية المناخ. لكن ستتواصل الحساسيات المرتبطة بالإنفاق الدفاعي و"نورد ستريم 2" وحملة واشنطن ضد مجموعة هواوي الصينية العملاقة للتكنولوجيا. وفي مواجهة اقتصاد أثقل كوفيد - 19 كاهله، سيتحاشى بايدن على الأرجح اتجاهات ترمب الأكثر حمائية، لكن يرجح أن تستمر رؤية ما قائمة على شعار ترمب المفضل "أمريكا أولا" للصناعات الأكثر حساسية لبعض الوقت. وقال ستوكس "على الأوروبيين أن يفهموا أن إدارة بايدن ستكون منشغلة للغاية بالشؤون الداخلية". وأضاف أن ذلك يعني أن بايدن سيحيط نفسه على الأغلب بسياسيين متمرسين في الشؤون الخارجية، يمكن الاعتماد عليهم بدرجة "أكبر من العادة.. لإعادة ترتيب الأمور، بل حتى وضع مسار جديد". وأشار إلى أنه في حال إعادة انتخاب ترمب، فسيكون هناك "كثير من الترقب" في العواصم الأوروبية بانتظار "أربعة أعوام أخرى عاصفة". لكن حتى إن فاز ترمب بولاية ثانية فمن "الممكن جدا" للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشكيل جبهة موحدة عندما يصب الأمر في مصلحة الجانبين في مسائل على غرار فيروس كورونا المستجد أو السياسات حيال الصين.

مشاركة :