هل يكون فشل حل الدولتين خطوة نحو حل الدولة الواحدة؟

  • 10/23/2020
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

منذ ما يقرب من ثلاثة عقود سيطر ما سمى «حل الدولتين لشعبين» -في الأراضي التي يشغلها كلاهما- على تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ لكن بمرور الوقت ثبت أن هذه الفكرة كانت مجرد «وهم»، وأن الخيارات الأخرى التي كانت مطروحة وصلت في نهاية المطاف إلى طريق مسدود. ومن ثمّ فقد أزفت ساعة الحقيقة، ووجب الاعتراف بأن حل الدولتين قد مات، وحان الوقت لتتخلى السلطة الوطنية الفلسطينية عن تأييدها له، وإعادة ترتيب أوراقها وامتلاك رؤية جديدة للصراع وللحل ولإدارة دفة شؤونها بنفسها. بمعنى آخر أن «الصراع الذي عمره قرن ونيف أصبح يتطلب توصل الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم إلى هذا الحل، بعيدا عن الوساطات الدولية والضغوطات الإقليمية أو قرارات الأمم المتحدة التي فشلت جميعها في تحقيق ذلك».مع الاعتراف بأن هناك محاولات جدية قد سعت إلى تحقيق سلام بين الجانبين، منها «مؤتمر مدريد» عام 1991، و«اتفاقات أوسلو» عام 1993، التي نصت على قيام دولة فلسطينية على أراضي عام 1967 عاصمتها القدس الشريف. وظلت هذه الاتفاقات هي الأساس للمفاوضات التي توقفت منذ عام 2015، بعد أن فشلت جميعها بسبب التعنت الإسرائيلي والانحياز الغربي، وخاصة الأمريكي، وعجز الأمم المتحدة عن تنفيذ قراراتها. ولعل آخر هذه المحاولات كان خطة ترامب للسلام، التي أُطلق عليها «صفقة القرن»، إذ رفضها الفلسطينيون ومعظم الدول الأوروبية والأمم المتحدة؛ بسبب انحيازها الصارخ لإسرائيل، في الوقت الذي وصفها المحللون بأنها «خدعة» ستؤدي إلى أرخبيل من الأحياء الفلسطينية المغلقة.وفي واقع الأمر فإن فشل الجهود الدبلوماسية الدولية وعدم تنفيذ إسرائيل لبنود الاتفاقات الموقعة منذ 27 عاما ورفضها تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة يعني فشل حل الدولتين، ويعني أيضًا أن ملايين الفلسطينيين يعيشون حاليا في أرض يحتلها الجيش الإسرائيلي، ويتم طرد سكانها وتقليص مساحتها تدريجيا؛ بسبب مصادرتها وبناء مزيد من المستوطنات غير القانونية وتوسيع القائم منها. وهو ما تؤيده «داليا حتوقة» في مجلة «الفورين بوليسي» بقولها: إن «الحديث عن إنشاء دولتين كان منذ فترة طويلة تمثيلية للتغطية على مصادرة الأراضي والضم غير الرسمي الذي أوجد واقع الدولة الواحدة على الأرض، وأن الحديث عن المزيد من الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يضفي بشكل فعال الطابع المؤسسي على نظام فصل عنصري تُحرم فيه مجموعة عرقية من حقوقها وتُفرض عليها السيطرة». وبالفعل، يتفق العديد من المحللين مع هذا الرأي، فعمليات الضم والمصادرة والانتهاكات في الضفة الغربية جعلت حل الدولتين غير قابل للتطبيق، وجعلت التوصل إلى اتفاق من خلال المفاوضات ما هو إلا «وهم بعيد المنال»؛ ولهذا يزداد الدعم لحل الدولة الواحدة، وخاصة بعد فشل مفاوضات إنشاء الدولتين. يضاف إلى ذلك أن الرأي العام في كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يدعم هذا الحل. ووفقًا لدراسة أجريت عام 2018، «أيد 37% فقط من الفلسطينيين و39% من الإسرائيليين اتفاق سلام يشمل دولتين إسرائيلية وفلسطينية منفصلتين؛ لأن هذا النموذج ظل مهيمنا إلى حد كبير، إذ لم يكن لدى أحد أفضل منه».وبغض النظر عن التفاصيل المحتملة لمثل هذا التوجه فمن الواضح أن حل الدولة الواحدة سيواجه مقاومة من الإسرائيليين، فهو لن يكون حلا يشمل دولة ثنائية القومية مثلما يتصورها العديد من الفلسطينيين، بل سيكون شكلا مقننًا من الفصل العنصري، بحيث يتم تقييد حياة الفلسطينيين بشكل متزايد. لكن إذا تم تطبيق خيار الدولة الواحدة، أو ما تُسمى أحيانًا «الدولة ثنائية القومية»، بحيث تضم إسرائيل والضفة الغربية وغزة، فلا بد من إصلاح شامل تراعى فيه كل الحقوق الفلسطينية، بحيث تمنح مواطنة متساوية في كيان مشترك يجمع سكان تلك المناطق بغض النظر عن العرق أو الدين.لكن الواقع العملي يشير إلى أن إسرائيل منذ قيامها عام 1948 حتى الآن لم يكن خيار الدولة الواحدة أو ثنائية القومية يحظى بالقبول لديها، ولا يثار إلا ما ندر. ويعود تفسير ذلك إلى تعارضه مع جوهر المشروع الصهيوني، إذ يقوض الأسس التي قامت عليها إسرائيل. وقد جاء تبني قانون القومية عام 2018 ليؤكد تمسكهم بالمشروع الصهيوني، وتنكرهم لأي حق من حقوق الفلسطينيين. أما على الصعيد الفلسطيني وبعد احتلال الضفة الغربية وغزة عام 1967 فقد طُرح حل الدولة الديمقراطية الواحدة التي تكون لجميع مواطنيها، اقترحته «الجبهة الشعبية» و«الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين»، كما قدمت «فتح» تصورا بعنوان «الدولة الديمقراطية العلمانية»، في السبعينيات من القرن الماضي قبل التحول الذي بدأ سنة 1974. واليوم بعد 53 عاما على احتلال الضفة وغزة هناك ازدياد في أوساط النخب السياسية والثقافية في الاعتراف بفشل حل الدولتين، والدعوة إلى تبني خيارات بديلة، وهم يتوزعون بين مؤيد لحل «الدولة الواحدة الديمقراطية»، أو مؤيد لحل «الدولة الواحدة ثنائية القومية». وفي دراسته المنشورة في مجلة «الدراسات الفلسطينية» يقول «أسعد غانم» إن «الخيار الوحيد المتبقي لتسوية العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو إنشاء دولة ثنائية القومية على جميع الأراضي، قائمة على ترتيبات جماعية مشتركة بين الجماعتين ضمن نظام سياسي واحد، وإطار ثنائي القومية، فلسطيني، إسرائيلي. ويقارن «غانم»، بين خياري الدولة الديمقراطية العلمانية، والدولة ثنائية القومية بالقول إن الأولى تقتضي «التخلي عن الانتماء القومي كعنصر رئيسي في تنظيم العلاقات بين المواطنين، كما تتضمن التركيز على العنصر الشخصي المدني كهدف أعلى، يملي المواقع والعلاقة بين الدولة وأعضاء الجماعات، وبين أعضاء الجماعات بصورة مباشرة». بينما تقوم الدولة ثنائية القومية على أساس «مبدأ الاعتراف بالجماعتين القوميتين، وأخذ ذلك في الحسبان كعنصر رئيسي في ترتيب العلاقات داخل الدولة». ومع وضع هذه المعضلة في الاعتبار فإن احتمال حل دولة واحدة يتمتع فيها كل من الإسرائيليين والفلسطينيين بنفس الحريات والحقوق المتساوية هو الاحتمال الذي بات يكتسب زخمًا وهو الأكثر واقعية، فالوضع بينهما أصبح واقعًا دائمًا مترسخًا بعمق، وحل هذا الصراع المنخرط فيه شعبان متشابكان بصورة أكثر قوة يكمن في عيشهما بالتساوي، بحيث يتمتع كلا الشعبين بنفس الحريات والحقوق داخل هذه الدولة جنبًا إلى جنب، سواء في اتحاد كونفدرالي أو فيدرالي. وقد ذهب البعض إلى وصف هذه الخطة بأنها «مثالية» -وهم على حق- لكنها ليست أكثر مثالية من تأكيد مبدأ أن «جميع المواطنين خلقوا متساوين».ومع ذلك فإن مسألة تحقيق ذلك هي مسألة أخرى، وما ظهر من صعوبات بالفعل في محاولة تشكيل دولتين هو مؤشر قوي على التحديات التي ستواجه أي مفاوضات مستقبلية حول طبيعة دولة واحدة. وإلى جانب قضايا الدولة والأراضي باعتبارهما يمثلان تحديا أمام أي محادثات حول مستقبل فلسطين، هناك جانب مهم آخر يجب أن يؤتي ثماره؛ المتمثل في التزام القادة بالتفاوض، إذ تتجلى حقيقة لا مفر منها في أن مفاوضات ذات مغزى حول مستقبل إسرائيل وفلسطين لا يُمكن أن تُجرى إذا لم يكن لدى الفلسطينيين والإسرائيليين النية لذلك. على العموم، إن حل الدولة الواحدة يُنظر إليه باعتباره أفضل الطرق وأكثرها عدالة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لذلك هناك حاجة إلى موقف جديد وأكثر براغماتية من واشنطن للتأثير على الحكومة الإسرائيلية في اتجاه التغيير الهادف، وقد يمثل الانتقال إلى قيادة جديدة في إسرائيل في المستقبل فرصة للتوصل إلى حل إزاء هذه الأزمة لصالح الأجيال القادمة. ومع ذلك، كما ثبت منذ أكثر من سبعين عامًا، فإن التوصل إلى اتفاق لن يكون مهمة سهلة التحقيق، بيد أنه في حالة تحقيقه سيحمل فائدة كبيرة للمنطقة بأكملها.وفي الأخير، مطلوب من القيادة الفلسطينية إعادة ترتيب أوراقها، وامتلاك رؤية جديدة للصراع وللحل ولإدارة دفة الشؤون الفلسطينية، وتفكير معمق لكي تتخطى العقبات في طريق حل الدولة الواحدة المشتركة التي تقوم على المساواة والعدالة في الحقوق الفردية والجماعية للجميع، وهذا يخدم استقرار المنطقة ويولد فرصا أوسع للنمو الاقتصادي والإصلاح السياسي. هذا ما يجب طرحه للعالم، وإيصال رسالة واضحة إلى الإسرائيليين بأنهم لن يرتاحوا من دون مساواة وعدالة، وسيربح الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي الأمن والاستقرار، وستفلت إسرائيل من عزلتها الدولية بسبب احتلالها الأراضي الفلسطينية، إذ لا يمكن أن تستمر في انكار حقوق سبعة ملايين فلسطيني إلى أجل غير مسمى وتتوقع أن تظل عضوا طبيعيا في المجتمع الدولي.

مشاركة :