«غير متهيب.. معركتي ضد أعداء أميركا في الداخل والخارج»، عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـ«سي آي إيه»، جون بيرنن، الذي أشرف على إدارة الوكالة خلال الفترة بين عامي 2013 و2017. الكتاب عبارة عن مذكرات يحكي فيها برينن أبرز محطات حياته الشخصية ومسيرته المهنية، ومن ذلك قصة التحاقه بالعمل في وكالة الاستخبارات أول مرة. فعلى غرار العديد من أبناء جيله، كان برينن شاباً متمرداً على المجتمع والثقافة السائدة لدرجة أنه صوّت ذات مرة في الانتخابات لصالح مرشح الحزب الشيوعي في الانتخابات الرئاسية، تصويتاً احتجاجياً كان مدفوعاً باستيائه من «السياسة الحزبية المتعصبة للديمقراطيين والجمهوريين»، كما يقول في مذكراته. ولاحقاً، عندما تقدّم بطلب وظيفة في وكالة الـ«سي آي إيه»، اعترف برينن بهذا التصويت، لكنه تلقّى تطمينات بأن ذلك لن يؤثّر على فرص طلبه، وهو رد «أكّد على حقوقي كمواطن.. وبدّد أي مخاوف كانت لدي بشأن الانضمام إلى مؤسسة كانت تُتهم دائماً بعدم احترام القيم والحريات الأميركية». قبل صعود دونالد ترامب لسدة الحكم، كان برينن ينتمي إلى نوع من الشخصيات العمومية المترحلة في أميركا المنقسمة. ففي بداية إدارة أوباما، كان كثير من الليبراليين ينظرون إليه بارتياب، لأنه كان مسؤولاً في الـ«سي آي إيه» خلال فترة برنامج التعذيب الذي تبنّته الوكالة بعد أحداث 11 سبتمبر، رغم أنه لم يشارك فيه ولطالما شدّد على أنه كان يعارضه، ولأول مرة أشار في كتابه بشكل صريح إلى ثلاثة مسؤولين يقول إنه عبّر لهم عن بواعث قلقه بشأن هذا الموضوع في عام 2002. ولاحقاً، أشرف برينن على برنامج الهجمات بواسطة طائرات بدون طيار في عهد الرئيس باراك أوباما والتي كانت تستهدف المتهمين بالإرهاب في مناطق خارج ساعات المعارك، وقد زعم في يونيو 2011 أنها لم تتسبب في أي إصابات مدنية خلال العام السابق، ويقول إنه ما زال متمسكاً بذلك التصريح رغم أنه لم يعالج الأسباب التي تجعل كثيرين يشككون في صحته. ولكن الجمهوريين كانوا ينظرون إلى برينن بارتياب أيضاً. وفي هذا الإطار، يحكي برينن كيف صنع لنفسه أعداء داخل البيت الأبيض في عهد جورج دبليو. بوش في 2006، خلال فترة وجيزة قضاها في القطاع الخاص، عندما كتب مقال رأي انتقد فيه تضخيم الرئيس وتهويله بشأن علاقات مزعومة بين صدام حسين وتنظيم «القاعدة»، ومع أن ذاك المقال لم ينشر أبداً، إلا أن البيت الأبيض في عهد بوش علم بشأن المسودة وحال دون ترقيته إلى نائب مدير الـ«سي آي إيه». لكن هذه التجربة التي قد تبدو انتكاسةً مهنية كانت نقمة في طيّها نعمة، إذ أفسحت له المجال لاحقاً ليصبح مسؤولا أكبر في إدارة أوباما، والتي كثيراً ما كان يقوم بالرد خلالها عندما يرى أن المشرّعين «الجمهوريين» يسيّسون قضايا الأمن الوطني من أجل مكاسب حزبية ضيقة. شخصية برينن المشاكسة لم تتغير منذ 2017 عندما غادر الـ«سي آي إيه»، لكن الظروف السياسية تغيرت. فقد هاجم ترامب بسب ازدرائه لأجهزة الاستخبارات ملمِّحاً إلى أن الرئيس الأميركي تواطأ مع روسيا من أجل الفوز في الانتخابات. وإذا كان بعض «الديمقراطيين» أصبحوا يرون فيه بطل مقاومة، فإن البيت الأبيض اتهمه في أغسطس 2018 باستغلال تجربته ووصوله إلى المعلومات لتوجيه اتهامات لا أساس لها من الصحة معلناً أن ترامب ألغى التصريح الأمني الخاص ببرينن. لكن برينن ينفي ذلك في الكتاب مشيراً إلى أنه لم يكن هناك أي أساس قانوني لتجريده من التصريح وأنه ما زال يمتلكه إلى اليوم. غير أن ترامب وجّه تعليمات للجهاز التنفيذي، على ما يبدو، من أجل عدم تقاسم أي معلومات سرية مع برينن، بل إن الـ«سي آي إيه» ذهبت إلى حد منعه من الاطلاع على سجلاته الخاصة عندما كان يشتغل على الكتاب، رغم أنها تسمح للمديرين السابقين عادة بفعل ذلك. مذكرات برينن تقدّم صورة غنية لحياته غير العادية، التي أخذته من أحد أحياء الطبقة العاملة في نيوجيرزي إلى منصب حكومي مرموق، يلتقي القادة ويشهد صعود «القاعدة». لكن اللافت في كتابه، حسب بعض المراقبين، هو أنه كان يمر مرور الكرام على بعض الموضوعات أو يغفلها تماماً، من قبيل دعمه المهم لاستخدام المحاكم المدنية التقليدية بدلاً من نظام اللجان العسكرية المختل في غوانتانامو لمحاكمة المتهمين بالإرهاب، وهو موضوع أفضى إلى قدر كبير من الشعبوية والمزايدات السياسية خلال سنوات أوباما. وهنا للمرء أن يتساءل حول ما إن كان حرمانه من الوصول لملفاته من أجل إنعاش ذاكرته قد أفضى إلى مثل هذه الثقوب والفراغات. وعموماً، إذا كانت مذكرات برينن قد أغفلت بعض الأشياء سهواً أو عمداً وركزت على أخرى لدرجة الإفراط والغلو أحياناً، حسبما يرى البعض، فإن أفكاره وتأملاته حول مساره المهني الطويل والحافل تمثّل إضافة قيّمة للتاريخ المتاح لمرحلة ما بعد 11 سبتمبر. كتاب: غير متهيب.. معركتي ضد أعداء أميركا في الداخل والخارج المؤلف: جون برينن الناشر: سيلادون بوكس تاريخ النشر: أكتوبر 2020 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
مشاركة :