أميمة عبد العزيز زاهد قالت: تذكرت بكل ألم كيف ضاع عمري مع زوج لا يتسع المجال لذكر مساوئه.. كيف لي أن أنسى ذلك اليوم بكل تفاصيله و التي مازالت محفورة بأعماقي، و منظره وهو يسحب بكل جبروت ابنتي مني و هي مازالت في الثامنة من عمرها، و كيف كانت تصرخ و أنا أبكي و أتوسل إليه أن يتركها معي و أن يكون رحيمًا بي و بها، كيف أنسى يوم رحلت ابنتي مع ذاكرتها الجريحة، رافق هذا المشهد الأليم غياب الأمان و الحنان و السعادة، و رغم ذلك لم أيأس من بذل المحاولات لاحتوائها، و كانت إجابته دومًا إذا أردت أن أطالب بضمها فليكن ذلك عن طريق المحكمة، و استغثت بمن حولي ليتفاهموا معه بأنها من حقي، و أنها تحتاج لوجودي في هذه السن أكثر منه لعلهم يعيدون لي أمومتي المفقودة التي يريد أن يحرمني منها، و لكن بحكم قوته و سطوته و نفوذه و قسوته لم يتمكن أحد من الوقوف في وجهه و لم يبال، و سلبني حقي في رعايتها بدون وجه حق، و مرت الأعوام تلو الأعوام كنت أراها خلسة دون أن يعرف.. فهو قد وضع سياجًا حولها و مراقبتها، فلم أستطع أن أقابلها في مدرستها، و لا حتى في أي بيت، و كنت أقتنص فرصة سفره لنجلس معًا في مكان عام، فلم يكن من السهل أن ألتقط أنفاسي و الصور تتزاحم في خاطري لحظة فتحت فيها خزنة الماضي رغمًا عني … صور أظهرت كل صفحات الأحزان من مجلدات الهموم، كل تلك الذكريات اقتحمتني و أنا أرسم بخيالي مشهد زفاف ابنتي الذي حرمني من حضوره، فقسوة قلبه و جبروته لم يمنحاني و لو لحظات لأشعر فيها بالسعادة التي تتمناها و تنتظرها أي أم، و اكتفيت بالنحيب و الدموع بين الجدران الصامته أبث حزني و همي لله، إنها قصة طويلة و حزينة لماذا أتذكرها اليوم في فرح ابنتي، قاومت ذكرياتي التي أشعلت نيران الماضي في أعماقي و لم يرجعني إلى واقعي سوى رنين هاتفي، و إذ هي ابنتي التي رفضت الذهاب إلى بيت زوجها بعد انتهاء الزفاف قبل أن تراني و رميت آلامي و كففت دموعي و أسرعت بكل لهفتي أستعد للقائها لحظتها مسحت من داخلي كل معاناتي، فأخيرًا سوف أراها و تراني و بعد لحظات كنت في استقبالها و أخذتها في أحضاني و هي بثوب الزفاف لا لم نتكلم لأن دموعنا كانت أكثر قدرة على التعبير، بكيت و بكت دون أن تشتكي، و رغم مظهر الفرح البادي على كل حركة من حركاتها، لكني شعرت بإحساس الأم مدى تأثر مشاعرها التي لا حيلة لي فيها و مدى شعور الألم لفقدها لحناني، مما سبب لها العديد من الجروح النفسية الغائرة التي أقدرها تمامًا، و أصرت بكل براءة على أن تبقى معي بعض الوقت و الذي قضيناه بين دموعنا و نظراتنا الصامتة، و ودعتني على أمل أن يكون لقاؤنا مستمرًا، فهي الآن في عصمة رجل آخر غير والدها و استمرت دوامة الحياة، و لكن بطعم رائع مختلف، فقد أصبحت ابنتي دائمًا أمام عيني و كانت تلجأ إليَّ في كل صغيرة و كبيرة لتستشيرني و تأخذ رأيي و لم تجد سواي يمنحها الدافع للاستمرار و التحمل و الصبر… لحظتها فقط شعرت بأن الدنيا قد ابتسمت لي بعد طول عناء و إن الله قد عوض صبري خيرًا.
مشاركة :