لم أبدأ بكتابة هذا الموضوع «الذكاء الاصطناعي» إلا بعد وقت وتفكير عميق، ليس لأن التخصص جديد عالمياً أو أنه يصعب الغوص فيه أو أنه بمجرد دورة تدريبية وينتهي الأمر، وإنما في الحقيقة - والتي لابد أن يعرفها الجميع - أن الذكاء الاصطناعي يرتبط بالأمن السيبراني مع تعلم لغة الآلة رابطة دقيقة في التعرف ولا ترحم! لا ترحم بدقتها في تحديد الأمر مسبقاً قبل حدوثه واستشراف المستقبل والذي يتيح للأجهزة الأمنية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتلافي حدوثها! تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي هي سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية، تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها. أهم ما تمتاز فيه أنها تحدد هدفها من خلال دقتها العالية في مكافحة الجريمة، وخاصةً المتعلق منها بالكشف عن المجرمين وبمكافحة الجريمة، كونها لا تسمح بتدخل البشر إلا بإدخال المعطيات فقط وتزويدها بالحالات المشابهة وتقوم هي بالتحديد بدقتها وبالتبؤ بالمستقبل! دور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لا يقتصر فقط في جانب مكافحة الجريمة والتي اعتبرها شخصياً من أهمها ذلك لأنها تسهم في تعزيز الأمن والسلامة العامة للمجتمع، وإنما هناك استخدامات تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات أخرى وعمل الأدلة الجنائية وعلم الجريمة ساهمت في تقديم أدلة دامغة إلى الجهات القضائية حول الجرائم، إلى جانب توفير معلومات ودلائل إلى الأجهزة الأمنية لفك ألغاز الجرائم المعقدة، بالإضافة إلى ذلك فهي تلعب دورًا مهمًا وحساسًا بجانب الأمن السيبراني والتحقيقات الرقمية الجنائية، وذلك بربطها مع بعضها بعضًا بما لها قدرة على التنبؤ بمعظم الجرائم حتى قبل حدوثها. وللغوص أكثر في عالم الجريمة فإن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أضافت الكثير في مواجهة الجريمة السيبرانية ومسرح الجريمة، وذلك في تطويعها في مكافحة الجريمة والقبض على مرتكبيها، وأهم ركائزها أنها ساعدت بتسريع العمليات الكشفية الإلكترونية، وليس كما كان في السابق حين كان البشر هم من يتفرَّدون بالتنبؤ بالأحداث، ولكن التقدُّم المذهل في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلات مكَّن من تطوير خوارزميات لديها إمكانيات فائقة على البشر في التنبؤ بالجرائم، قد تجنِّب القضاة الكثير من المغالطات غير المنطقية. تقنية الذكاء الاصطناعي أصبحت ضرورة حتمية وبدأت تتزايد الأدلة على أن قدرات المحقق الاصطناعي أصبحت تتفوّق في بعض الأحيان على المحققين البشر، في رصد الأدلة الدامغة بدقة على شكل صور في مسرح الجريمة. وذلك بهدف محاولة التنبؤ بإمكانية وقوع الجريمة السيبرانية المشابهة التي أصبحت مجالاً مهماً في العمل الأمني في ظل استخدام إمكانية استغلال هذه التقنيات العصرية من قبل المجرمين، وتقع أهميتها في الاستعراض، وهو إحدى تقنياتها في التعرف على الوجوه ومدى التطور الذي شهدته في قدرتها على رسم صورة الجاني ومحاكاة كلمات النص التي يستخدمها في كتاباته في منصات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال المعلومات التي يقدمها عن الجاني بدقة عالية جداً. لا شك أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تحقق الرفاهية للناس ولكنها تفرض في الوقت ذاته على الأجهزة الأمنية العمل الدؤوب من أجل مواكبتها لما تخلقه من تحديات وخاصة السيبرانية منها، ولاشك أنها نقلت الأمن والعدالة ومكافحة الجريمة إلى عهد غير مسبوق، وهذه بعض استخدامات الذكاء الإصطناعي: 1- «خوارزميات التصنيف». 2- خوارزميات «التنبؤ»، تستخدم حاليًا في العديد من المجالات، إذ أنه يتم استخدامها في نظم كشف عمليات الاحتيال، وعمليات التسويق لفئات معيّنة مستهدفة، وأيضًا للتنبؤ بمستوى الأداء أو مدى الإقبال على شراء بعض المنتجات والسلع للمساعدة في تطوير الصناعات التحويلية. كذلك تستخدم أيضًا في عمليات تشخيص الأمراض المبكرة والكشف عن السرطان والأورام، والتنبؤ بالكوارث الطبيعية قبل حدوثها -بإذن الله. في السنوات الأخيرة زاد استخدام دول العالم لتقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، وبدأت شركات التكنولوجيا العملاقة في تطوير خوارزميات قادرة على الحدّ من انتشار الجريمة، لكن تلك الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لا تزال محدودة الانتشار والقلة من الخبراء في أنحاء العالم، رغم أنها مؤهلة لذلك ولديها قدرة تفوق القدرات البشرية، ومن هذا المنطلق تشهد المملكة العربية السعودية قمة عالمية فريدة من نوعها لم يُسبق أن عُقدت قمة عالمية بهذا المستوى، تحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وذلك يومي 21 و22 أكتوبر من هذا الشهر تحت شعار «الذكاء الاصطناعي لخير البشرية»، تأتي هذه القمة - ولا شك - لتلمس خطوط المستقبل، والإمساك بخيوطه، لا سيما أن الذكاء الصناعي يندمج تدريجياً في مختلف جوانب الحياة اليومية للبشر، وستجمع صناع القرار والخبراء والمختصين من مختلف دول العالم. ** ** دكتوراه في الأمن السيبراني وجرائم المعلومات - رئيس اللجنة العلمية ورئيس نادي مدينة بليموث سابقاً- بريطانيا
مشاركة :