كيف نتعافى كأردنيين من تداعيات ونتائج وآثار جريمة فتى الزرقاء الوقحة؟ثمة جرائم في الدنيا بشعة دوما، لكن أن تكون الجريمة بشعة ووحشية وتتميز بالوقاحة، فهذا جديد تماما ليس على الأردنيين فقط.خلافا للمألوف في علم النفس، التعافي كمجتمع ودولة من تلك الجريمة الوقحة بالمبالاة ولن نحصل على أي حالة تعافي باللامبالاة.بعد اطلاعي المؤسف على بعض الحيثيات ثمة خمسة اسئلة مطروحة اليوم وبقوة ولا مجال لا أمام الدولة ولا أمام الشارع لمراوغتها أو الإفلات منها..كيف يمتنع العابرون والمارة في الشارع العام عن مساعدة ومساندة شاب صغير يهاجمه بوضح النهار وأمام مخبز معروف سبعة أشخاص ويخطفونه قسرا أمام أعين البشر بحافلة؟.. يبدو لي سؤالا في غاية الأهمية يحتاج لصدمة حقيقية للإجابة عليه، فالحي الذي بدأت فيه تفاصيل الجريمة الأولى بجزئية الاختطاف من الأحياء الشعبية والتي تضم مكونات متنوعة عشائريا، فكيف رضي ضمير المارة والعابرين بعدم صدور أي ردة فعل على عملية اختطاف للطفل تطلبت عدة دقائق فيما كان الطفل يستغيث ويستنجد.سؤال مقلق جدا يقودنا إلى استخلاصات خطرة في مجتمع يتبجح أولاده ليلا نهارا بأنه مجتمع الشهامة والنخوة والنبل… أين ولماذا تجمدت هذه القيم الثلاث تحديدا في تلك اللحظات؟السؤال الثاني: بعد إنجاز عملية الاختطاف بحافلة صغيرة علنا وصمت الموجودين المخجل، لماذا لم يتصل أي شاهد وأي عابر برقم طوارئ الشرطة للإبلاغ عن حدث ما حصل للتو؟الامتناع عن إبلاغ الشرطة صدمة أكبر لأن عنصر الوقت أكمل بقية أركان أم الجرائم في الأردن ولأن الشرطة تدخلت بعد تصوير الضحية في الشارع العام مقطوع اليدين ومفقوء العينين.نحتاج جميعا كأردنيين اليوم لكي نفهم أسرار امتناعنا عن إبلاغ الأمن والشرطة.المسألة قد تكون انعدام ثقة أو خوف من الإبلاغ وردة فعل المجرمين، أو بالنتيجة سلبية مقيتة أدت إلى جريمة أرعبت كل الأردنيين على أولادهم، الأمر الذي اتضح بعد التحقيقات لاحقا، فضحايا البلطجة وعصابات الأشرار يمتنعون عن الإبلاغ عما يحصل معهم.واجب الشرطة الآن قبل المواطن أن تفهم لماذا يحصل ذلك ولماذا يعيق مواطن جبان وخائف ورعديد قيام الأمن بواجبه على هذا النحو المؤسف اجتماعيا.ليس سرا أن الإجابة على سؤال محرج من هذا النوع تتطلب مراجعة لكل المصفوفات والبروتكولات الأمنية، ولثقافة المجتمع وصورته النمطية عن الأمن، وهي مراجعة أعلن مسبقا أنها محرجة للجميع، لكنها قد تساعد في توفير إجابة على سؤال موجع وعلى الأمن أن يخبرنا ما الذي يحصل ولماذا يحصل عندما أبلغ كمواطن عن جريمة، وكيف سيحميني بعد البلاغ.السؤال الثالث له علاقة بتواطؤ القبيلة والعائلة والعشيرة والمكونات مع المجرمين والبلطجية… مجددا أين ذهبت النخوة بعد ارتكاب الجريمة وإعلانها، حيث ثمة 14 مجرما دُوهم مقرهم باعتبارهم باحثين عن حماية من أحد الأشخاص في الإطار الاجتماعي؟ هؤلاء ليسوا مجرمين فقط عند حصول جريمتهم الأخيرة، ولديهم سجل من العربدة والتنمر ومخالفة القانون.المسألة الأخطر أن هؤلاء لديهم عائلات وأحيانا عشائر وأقارب في كل مؤسسة وكل مكان من الذين يرتدون زي الواعظ الاجتماعي أو الديني ولديهم شقيقات وأمهات وعلاقات مصاهرة، لماذا لم نسمع كأردنيين بأن أقارب وعائلات 14 مجرما سفاحا اجتمعوا فيما بينهم لقول كلمة ولو واحدة في جريمة أولادهم المبتذلة؟تواطؤ أقارب وأهالي المجرمين والبلطجية محطة أساسية لكي نفهم ما الذي حصل.السؤال الرابع قد يكون الأبشع وله علاقة بتلك الذهنية التي تؤدي لجمع مصالح ومصير 14 شخصا لا يقررون فقط خطف الطفل نكاية بوالده ولا ضربه ولا حتى قتله بل تعذيبه بطريقة التصوير البطيء، فبعد الاعتداء الجسدي المقزز عليه، قطع يده الأولى ثم فقء عينه ثم قطع الثانية وفقء عينه الثانية. وفي الأثناء ضربه بآلات حادة على رأسه وعينه، وفي الأثناء أيضا الاعتداء عدة مرات عليه ثم بدون خجل أو وجل إلقاؤه بعد تغيير ملامح حياته في الشارع العام.في عالم الإجرام قد نفهم أن شخصا أو اثنين يمكن أن يفعلا ذلك لكن وجود 14 مجرما مع سلسلة طويلة من المتواطئين محطة مرعبة في التأمل الوطني.. من هم هؤلاء؟ أين تربوا؟ إلى ماذا تعرضوا في طفولتهم؟ ما هي حجتهم علينا وعلى الدولة؟ كيف استطاعوا أن يفكروا بنفس الطريقة الإجرامية تجاه طفل لا حول ولا قوة له؟يحتاج الأمر إلى تحليل عميق إلى أن نصل للسؤال الخامس الذي يحرج كل المؤسسات الرسمية حيث تواطؤ مُقونن وعدم رغبة سياسية وبيروقراطية على مدار عدة عقود من الزمن على الأقل في عناصر اكتملت وحافظت على وجود الزعران والبلطجية والوحوش في عمق معادلة المجتمع.الإجابات نعلم انها مؤلمة.القدس العربي
مشاركة :