الفكر الإقصائي المتشدد موجود في مجتمعنا منذ عقود، وقد أصبح مسيطراً في أكثر من مجال، ليصنف ويقصي كل من اختلف معه، حتى لا يبقى تيار فكري غيره. وهذا الفكر المتشدد، يحارب دوماً الآخر، ولا يؤمن بفكرة أن الوطن يتسع للجميع، بغض النظر عن تعدد التيارات الفكرية الموجودة فيه. ودور المثقفين في توعية المجتمع بمخاطر الفكر المتشدد، وقبول الآخر يعتبر أحد الدروع الواقية من هذا الفكر، حتى لا يترك المجال لأصحاب هذا الفكر، ليصدحوا منفردين بأصواتهم وأفكارهم الظلامية في المجتمع.ولكن من الواضح أن الفكر الإقصائي المتشدد، قد أثَّر بطريقته الإقصائية على بعض مثقفينا، حيث أصبحوا يحاولون إقصاء مثقفين آخرين بشتى الطرق، متهمين إياهم في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بأنهم أعداء للوطن وخطراً عليه، بل وأشد خطراً من أعدائه في الخارج، والعمالة والتصهين، داعين لمحاكمتهم وسجنهم وغير ذلك، فقط لاختلافهم معهم في الرأي، على الرغم من أن العديد من هؤلاء المثقفين لديهم مواقف وطنية مشهودة، والمزايدة على وطنيتهم أو حبهم للوطن ليست محل نقاش. وهذه فعلاً معضلة، بأن يكون المثقف، الذي من المفترض أنه منارة لنشر ثقافة التسامح والتعددية في المجتمع ويحارب من أجلها، ليتسع المجتمع للجميع ولا يقصي أحداً أو يكمم فاه، هو الذي يحض على إقصاء الآخر لاختلافه معه في الرأي أو حتى المعتقد. فنحن في حاجة لمجتمع يحتوي الجميع ولا يقصي أحداً، ودور المثقفين مهم لنشر ثقافة التسامح وتوعية المجتمع، لاجتثاث ثقافة الإقصاء التي زُرعت في المجتمع منذ عقود من قبل التيار المتشدد. وإذا تبنى المثقفون هذه الثقافة الإقصائية، فسيصبح المجتمع أكثر تشدداً وتصلباً لقبول الآخر وفكره. وفي كل الأحوال، الاختلاف في الفكر والرأي موجود في أي مجتمع، ومن المستحيل وجود فكر ورأي واحد فقط في المجتمع. إن اختلاف المثقفين وتنوع آرائهم هو الذي يثري المجتمع وينير طريقه في العديد من القضايا، وتقبلهم لآراء بعضهم، رغم اختلافهم الفكري، هو الذي يرسخ ثقافة الحوار وتقبل الرأي الآخر، ونبذ الإقصاء والتصنيف الفكري. أما إذا أصبح المثقف هو من يحض على إقصاء الآخر وتصنيفه، فسيساعد ذلك إلى زيادة الانغلاق الفكري والتشدد في المجتمع. q.metawea@maklawfirm.net
مشاركة :