كيف يمكن لرأس المال الجريء تحقيق استدامة الشركات السعودية الصغيرة بعد جائحة كورونا

  • 10/28/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يعد مفهوم إدارة وتصميم المستقبل ليس جديداً، ففي ستينيات القرن الماضي، طرح الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل دينيس غابور فكرة في صورة لغزٍ قائلاً: "لا يمكن التنبؤ بالمستقبل، ولكن يمكن اختراع المستقبل". وأكد خبير الشركات بيتر دراكر لاحقاً أن "أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي إنشاؤه". ولعل أفضل من يفعل ذلك اليوم هم رواد الأعمال. لطالما كانت الشركات الصغيرة تشكل العمود الفقري للاقتصادات المزدهرة. ففي بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة عموماً حوالي 95 في المائة من القطاع الخاص، و60 إلى 70 في المائة من القوى العاملة، كما أنها تسهم بحوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي. كذلك، يعد قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة محركاً قوياً للاقتصاد الناشئ، نظراً لقدرته على توليد الوظائف، وخلق القيمة والابتكار. نموذج لقوة الشركات الصغيرة والمتوسطة وكان صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية، أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم والمحرك الرئيسي لجهود التنويع الاقتصادي في المملكة، قد أطلق شركة صندوق الصناديق "جدا" لإطلاق العنان لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة. ويعكس الصندوق بهذا الإطلاق دوره في تمكين ودعم القطاع الخاص. وتحقيقاً لهذه الغاية، وخلال فترةٍ تزيد قليلاً عن أربع سنوات، أنشأ صندوق الاستثمارات العامة وأطلق أكثر من 30 شركة جديدة و10 مختلفة داخل المملكة. وكان الهدف من إطلاق "جدا" هو تمكين هذه الشركة التي يبلغ رأسمالها 4 مليارات ريال سعودي ويملكها صندوق الاستثمارات العامة، من ضمان الاستقرار المالي وتقديم الدعم لهذه الشركات حتى تتمكن من الإسهام في رفع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة من 28 بالمائة حالياً إلى 35 بالمائة خلال السنوات العشر المقبلة. ما بعد المال عادة ما يُنظر إلى التمويل على أنه أكبر عقبة أمام نجاح الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ فالشركات الناشئة محفوفةٌ بالمخاطر - ورأسمال المخاطر نادرٌ إلى حد ما. أما نحن في "جدا"، فإننا نرى أن العقبة تكمن في غياب المنظومة المناسبة لا المال. فبشكلٍ عام، تميل الشركات الصغيرة والمتوسطة للتفوق في تلبية متطلبات المستهلكين، لكنها تحتاج إلى أكثر من ذلك: هي بحاجةٍ للمساعدة في تطوير الاستراتيجيات، والعمليات، والهيكلة المالية لتصبح مستدامة من الناحية التجارية. حيث يمكن لأي منشأةٍ توفير التمويل - لكن لا يمكن للجميع توفير الإدارة الفاعلة التي يمكن أن تؤدي لنجاح أو فشل أي شركةٍ ناشئة، كما يمكن لحاضنات ومسرعات الأعمال توفير الأدوات من المساحات المكتبية ودعم تكنولوجيا المعلومات وحتى المعرفة، وبالتالي تنتقل بالشركات الصغيرة والمتوسطة نحو مرحلة النضج في غضون بضعة أشهر. وهنا، يأتي دور "جدا". فمن خلال هيكليتها، تستثمر شركة صندوق الصناديق "جدا" في الصناديق التي تستثمر في عددٍ من الشركات السعودية الصغيرة والمتوسطة أو الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تركز على السوق السعودي، ومقرها خارج المملكة. وتسعى "جدا" إلى تمكين مجموعة من القطاعات؛ مثل: التعليم، والتكنولوجيا، والترفيه، والصناعات الدوائية، من خلال تأثير الدومينو المتسلسل. وتأخذ "جدا" على عاتقها أيضاً تطوير المنظومة من خلال برنامج المديرين الناشئين الذي يقوم بتطوير مديري الأموال المبتدئين عبر التوجيه والإرشاد والتواصل. ومن خلال تحفيز الشركات الناشئة، من المتوقع أن تحقق "جدا" عوائد قوية على المستوى المحلي، حيث ستضيف استثماراتها حوالي 2600 وظيفة و4 ملايين ريال سعودي إلى الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام الجاري، لتنمو هذه الأرقام فيما بعد بشكلٍ تصاعدي إلى 58,000 وظيفة و8.6 مليار ريال سعودي إلى الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2027. وتدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة حالياً مولد قطاعاتٍ حيوية؛ مثل: التجارة الإلكترونية، وتكنولوجيا الخدمات المالية؛ كما أنها تسهم في إحداث تغييرٍ شاملٍ في بعض الصناعات التقليدية؛ مثل: الزراعة، والخدمات اللوجستية، والرعاية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، سيحفز نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة قطاع التصنيع والخدمات، ما يساعد على ترسيخ مكانة المملكة العربية السعودية كمحورٍ يربط بين الأسواق في إفريقيا وأوروبا وآسيا، ويعزز سلاسل التوريد المحلية. صعود صناديق الصناديق يتزايد ظهور صناديق الصناديق (FoFs)، لا سيما في الأسواق الناشئة؛ مثل: أوروبا الشرقية والهند وكوريا وأمريكا اللاتينية، حيث يتم تفعيل الاستثمارات لتحقيق تأثير اجتماعيٍ أو بيئي واسع النطاق، مصحوباً بعائدٍ مالي. وفي المملكة العربية السعودية، نتطلع في "جدا" إلى تنمية الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا لخلق وظائف تتطلب مهارات عالية وتتميز بأجور عالية كذلك. وهنا، تعد الموارد البشرية أحد أهم الموارد التي يمكن لشركة "جدا" تمكينها؛ خاصة وأن أكثر من 58 في المائة من السكان تحت سن الثلاثين، وهذا ما يؤكد على أهمية إعطاء الأولوية لبناء القدرات. وكذلك الأمر بالنسبة لدمج فئاتٍ اجتماعيةٍ معينة؛ حيث تمثل السيدات السعوديات فئة ديموغرافية تتميز بمؤهلاتها العلمية العالية، لكن تمثيلها غير كافٍ في القوى العاملة لدى القطاع الخاص. وقد ثبت نجاح آلية اختيار الصناديق التي تعتمدها "جدا"، خاصة بعد مقارنتها بنظيراتها في أسواق أوروبا وشرق آسيا وجنوب شرق آسيا. وفي النهاية، تعد إدارة الصناديق من الأعمال التجارية التي يقوم بها الأفراد، ولذا فإن مطابقة مدير الاستثمار المناسب مع استراتيجية الاستثمار الصحيحة يعد أمراً بالغ الأهمية. وحتى الآن، استطاعت "جدا" إغلاق تسعة صناديق، وما تزال سبعة أخرى قيد العمل. التفاؤل يسود تعد الخسائر البشرية الناجمة عن جائحة فايروس كورونا المتجدد كبيرة، كما أن تكلفتها المالية على الأعمال التجارية في جميع أنحاء العالم ستصل إلى عدة تريليونات من الدولارات. لكن ما يجعلنا نتفاءل وسط هذه الأزمة، هو تفاؤل المبدعين الحريصين على نقل أفكارهم من المختبر أو الميدان إلى السوق للمساهمة بتجاوز هذه الجائحة، من خلال المرونة في عالم الأعمال اليوم والتمكين الرقمي إضافة إلى الأدوات والأشخاص الذين يمكنهم تكوين منظومة مزدهرةٍ بفضل سياسات خفض المخاطر، والتقلبات التي تؤثر على دورات الاستثمارات المتنوعة، وإمكانات عائد الاستثمار القوية، والتوجيهات المناسبة من مدير الاستثمار المناسب.، كلها أدوات ستسهم مجتمعة في تجاوز الجائحة بإذن الله. إنها حقيقة وواقع لكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي أثبتت قدرتها على الصمود خلال فترات الانكماش الاقتصادي. وبفضل الجهود المشتركة التي بذلتها شركة "جدا"، والشركة السعودية للاستثمار الجريء وأصحاب المصلحة الآخرين، يشهد قطاع ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية اليوم نمواً سريعاً، كما أن مجتمع الاستثمار الجريء يشهد نمواً بدوره، ويستقطب المزيد من التمويل، والمزيد من المستشارين ورواد الأعمال. وتأتي هيكلية صندوق الصناديق التي اعتمدها صندوق الاستثمارات العامة، مضافاً إليها رأس مال الأصول، والدعم الاستراتيجي المخصص للنمو، وتوسيع نطاق الشركات، لتكون بمثابة الوصفة السحرية - بعد توفيق الله - لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من الاستقرار والنمو بعد جائحة فيروس كورونا لتصنع بدورها مستقبلاً مزدهراً.

مشاركة :