هذه المقولة لم يقلها نبي مرسل، ولا أثرت عن صحابي جليل، ولم تنقل عن تابعي أو تابعي تابعي أو حتى رجل بيننا اليوم صالح مصلح أمضى حياته ملتزماً بمنهج أهل السنة والجماعة الصحيح، بل هي كلمات تنسب لحبر من أحبار اليهود ورأس من رؤوس بني قريضة (حيي بن أخطب)، قالها حين جيء به مكبلاً ليقطع رأسه بعد أن أسر مع بقية قومه وحكم فيهم سعد بن معاذ رضي الله عنه حكماً جازماً وافق فيه حكم الله من سبع سماوات. التفت هذا الحبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يساق للموت وعلى يقين تام بأنها آخر لحظاته في الدنيا فقال هذه المقولة: (أما والله مالمت نفسي في عداوتك. ولكنه من يخذل الله يخذل...). أهل الكتاب من يهود ونصارى يعرفون الحق، ويعلمون علم يقين أن الإسلام هو الدين الذي سينتصر في النهاية، وأن رسالته عامة لكل البشرية، وأنه واجب عليهم مثل غيرهم من بني البشر الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي بشر به موسى ومن بعده عيسى عليهما السلام كما هو النص الصريح على ذلك في (انجيل برنابا) الذي حاول البابوات جاهدين إخفاءه وعدم وصوله للعامة فضلاً عن غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى خاصة المسلمين حتى يبقى التظليل والتخويف والإرجاف وسوق الأتباع كقطيع لا يعي ولا يدرك كثيراً من الطقوس والشعائر التي تملى عليه بلا برهان ولا دليل. نعم.. (من يخذل الله يخذل) صدقنا وهو كذوب، وفي المقابل والدلالة الضمنية لهذا القول الجزم التام بأن (من ينصر الله ينصر)، وهذا مأخوذ من مثل الله قول الله تعالى {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذود عنه والدفاع عن سنته هو نصر لله سبحانه وتعالى، ولذلك فإن الموقف الذي كان من المسلمين في أصقاع المعمورة إزاء الإساءة المعلنة والمقصودة من قبل الرئيس الفرنسي (ماكرون) لخير من وطأ الثرى بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام سيكون لها بإذن الله الأثر الإيجابي في انتشار الإسلام ومعرفته عن قرب من قبل الفرنسيين وغيرهم، ولذلك قد يكون في رحم محنة البلاء للمسلمين بإيذاء النبي الأمين والتطاول على سيد المرسلين منحة في تحقق النصر لهذا الدين وخذلنا من خذلوا الله ورسوله وليس ذلك على الله بعزيز، ولذلك بشروا ولا تنفروا وابشروا وتفاءلوا فإن المستقبل لهذا الدين، ولكن من الأهمية بمكان أن يكون الإسلام الذي يدعى له ويبشر به هو الدين الحق المعتمد على المرجعية النصية (القرآن والسنة) القائم على الوسطية والتوازن، المتفق مع ما كان عليه سلف هذه الأمة، السالك لمنهج الحوار العقلي المقنع والحكمة والموعظة الحسنة حين التبليغ، وهو ما تؤكد عليه منابر المؤسسات الإسلامية والهيئات الدعوية في المملكة العربية السعودية، وهي المعول عليها بعد عون الله وتوفيقه توظيف هذا الحدث لمصلحة عالمية الإسلام ونشره قبل غيرها. ولا عجب فهي بلد الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين، ومهوى أفئدتهم أجمعين، والمتمسكة بمنهج الإسلام الوسطي الصحيح، والمحافظة عليه في وقتنا المعاصر، وإلى لقاء والسلام.
مشاركة :