يعد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الموجود حاليا في مستشفى في ألمانيا والداعي إلى استفتاء حول الدستور الأحد، نتاجا خالصا لجهاز الدولة، عيّنه عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للوزراء لفترة وجيزة، قبل أن يخلفه في المنصب في مهمة لوقف الحراك الشعبي. وتبون الذي انتخب في 12 كانون الأول/ديسمبر في اقتراع قاطعه الجزائريون بشكل واسع، هو أول رئيس من خارج صفوف جيش التحرير الوطني الذي قاد حرب الاستقلال ضد المستعمر الفرنسي (1954-1962)، أو ما يطلق عليهم اسم أصحاب “الشرعية الثورية”. وأمام النقص في الشرعية الناجم عن نسبة العزوف الانتخابي الواسعة (أكثر من 60%) في ظل الحركة الاحتجاجية الشعبية، اقترح تبون ذو النظرة الصارمة والأسلوب الرصين البالغ 74 عاما، تعديلات دستورية ستعرض للاستفتاء الأحد. وينتظر أن يكون الغائب الأكبر عنه، فهو موجود في مستشفى ألماني “لإجراء فحوص معمقة” بعد أسبوع من العزلة الطوعية اثر تسجيل إصابات بفيروس كورونا المستجد في محيطه برئاسة الجمهورية. جاء في بيان صادر الخميس أن “حالته مستقرة ولا تدعو للقلق”، من دون توضيحات حول مرضه. وعند عودته إلى تونس وأيا تكن نتيجة الاستفتاء، قد يجد تبون نفسه أمام وضع لم يتغير. فهو لا يزال عضوا في حزب جبهة التحرير الوطني ولا يمثل التجديد الذي يطالب به الشباب، في بلد تقل أعمار نصف سكانه عن 30 عاما. ويجد هؤلاء أنفسهم في الحراك، بالرغم من تراجع التظاهرات بفعل القمع ووباء كوفيد-19. فبعدما دفعوا بوتفليقة الى الاستقالة في نيسان/أبريل 2019، هم يطالبون اليوم برحيل كل رموز النظام الحاكم منذ استقلال البلد، والذي كان تبون دائما الخادم الوفي له. وقد شغل تبون منصب وال مرات عدة اعتبارا من العام 1980 خلال حكم الحزب الواحد (جبهة التحرير الوطني)، ثم لفترة وجيزة وزيرا منتدبا في العام 1991 في ظل رئاسة الشاذلي بن جديد، قبل أن يختفي عن الساحة السياسية. “بيروقراطي” لم يكن قد ترشح لأي انتخابات قبل الاقتراع الرئاسي في كانون الثاني/ديسمبر وهو “أحسن مثال للبيروقراطي”، على ما قال لوكالة فرانس برس أحد مساعديه السابقين. ولا يتقن الرجل الطويل القامة وصاحب الوجه الشاحب والشارب الخفيف، فن الخطابة كما لا يتمتع بحضور قوي. وكان بوتفليقة عينه بعد انتخابه لولايته الأولى في 1999 وزيرا للاتصال، بعدما كان تقاعد عن الوظائف الحكومية، وظل في الحكومة بحقائب مختلفة حتى 2002. وبعد غياب دام عشر سنوات، استدعاه بوتفليقة مجددا ليتولى وزارة السكن، أهم القطاعات بالنسبة للجزائريين، حتى تعيينه رئيسا للوزراء العام 2017. لكنه أقيل بعد ثلاثة أشهر اثر تهجمه على رجال الأعمال الذين يدورون في فلك الرئيس ويستحوذون على كل الصفقات الحكومية، وغالبيتهم اليوم موجودون في السجن بتهم فساد. واستغل تبون إقالته هذه لدفع الناس الى التغاضي عن خدمته الى جانب بوتفليقة. لكن وجد نفسه هو أيضا مُقحما في مشاكل قضائية بعد اتهام نجله في قضية تهريب 700 كيلوغرام من الكوكايين في ميناء وهران (غرب) العام 2018، لكنه برئ لاحقا. عبد المجيد تبون متزوج ولديه ابنتان وابن ثان. وخلال الحملة الانتخابية للاقتراع الرئاسي لم يظهر كثيرا، وبعد وصوله الى قصر الرئاسة عمل على تعزيز حكمه مستغلا ظروف الوباء. وعلى المستوى الدولي، بقي على خط سابقيه، خصوصا مع المستعمر السابق فرنسا حيث بدأ حوارا معقدا مع الرئيس إيمانويل ماكرون على أمل تسوية ماض مثقل بين البلدين.
مشاركة :