مَتحف المتروبوليتان للفنون.. تقاطعات المكنون والمُشاع

  • 10/31/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

العلاقة العكسية بين النُدرة والقِيمة تكاد تكون قاعدة تشترك فيها كلّ الأشياء، لذا اعتدنا وصف المرء ذي الخُلق الكريم بالعملة النادرة؛ والماس يباع بأغلى الأثمان، لأنّه حجرٌ فريد الخواص يشحّ وجوده في الطبيعة. والنادرُ، ثمينٌ لا يفرَّط فيه إلا لعزيز، فإن أهديتُك شيئاً قيّماً، فقد أتحفتُك، وكذا إن عاملتك بالبرّ والخُلق الرفيع، هكذا تشرح معاجم اللغة الإتحاف بشقيه المادي والمعنوي. أما إذا اقتنيتُ القطع النفيسة النادرة، وحفظتُها بحرصٍ ودراية في مكانٍ يليق بها، ويعزّز قيمتها، فقد أنشأتُ مَتحفاً خاصاً، أو عاماً يرتاده الناس، ويصيرُ وجهة للمعنيين بمكنوناته. نقف هنا عند مَتحف المِتروبوليتان للفنون في نيويورك، ففي هذا العام أتمّ عامه الخمسين بعد المئة، وفي الحين الذي يُفترض فيه أن يعجّ بالزوار، نجد أنّ أعداد المرتادين تتواضع، تزامناً مع استمرار الجائحة، ليبدوَ الأمر احتفالاً خاصاً للمقتنيات الفنية، لا يشاركها فيه إلّا من تكبّد العناء وصدّق وعد المحبّة. لمعت فكرة المتحف في باريس، حيث التقت مجموعة من الأميركيين لمناقشة إمكانية إنشاء معهد ومعرض وطني للفنون في دولتهم الفتية آنذاك، يُكرَّس لتعليم الفنون الجميلة وتطبيقاتها الصناعية في الحياة العملية، كانت تلك رسالة المتحف وهدية نيويورك للولايات المتحدة الأميركية والعالم، وقد تحققت الفكرة في العقد السابع من القرن الثامن عشر، لتبدأ رحلة البحث والاقتناء، حتى أصبح من أكبر متاحف الفنون في العالم إن لم يكن أكبرها على الإطلاق، واليوم يضيف المتحف تعديلات على رسالته ليُعنى بجمع الأعمال الفنية من مختلف الثقافات والعصور، وحفظها ودراستها، في سبيل خلق الاتصال بين الناس من جهة، والإبداع والمعارف والأفكار من جهة أخرى. لا يمثل المتحف مكنزاً للمعروضات الفنية وحسب، بل يشكّل في ذاته عمارة باهرة بنمطها القوطي المختلف عن نيويورك الطافية على بحيرة الحداثة، فعلاوة على كونه وجهة لعشاق الفنون البصرية وتاريخها، هو أيضاً وجهة للمهتمين بالعمارة والتصميم، فقد افتُتح المتحف في مبنى آخر، لكنّه نُقل إلى الحالي عام 1880. وعودة إلى فكرة المخبوء الخالق للفضول، مقابل المتاح المتسبب في الاعتياد والضجر، تنجح المتاحف في إيجاد حالة من الكَنّ المعدَّل، يسمح بالاقتراب من المعروضات حد التماس أحياناً، ويحجب الرؤية المباشرة بصناديق زجاجية، أو إضاءاتٍ خافتة لأسباب وقائية في أحيانٍ أقل، لكنّ لغة العرض والتعريف هي الأهم، وغالباً ما تكشف عن احتراف القيّمين الفنيين الذين يخلقون الشغف بالفن عبر صياغة حكاية كل عمل وكواليسه، إنها لعبة إشاعة الخبر وحفظ الأثر، فنقرأ ونسمع ونرى دون أن نستحوذ، بل نلتبس بالمتعة ونحن نحدّق في اللوحة أو المنحوت، وقد نلقي عليه التحية حباً وتساؤلات ثم نسمع الرد في أعماقنا.

مشاركة :