جدة- هتاف السلمي- مهند قحطان -تصوير – ناصر محسن الملف الأخضر العلاقي، لاتعرفه الأجيال الحالية، ويتذكره الكبار حين ينتابهم الحنين للماضي. حين اختفي الملف الأخضر أخذ معه وظائف كانت يوما في منتهى الأهمية؛ ومنها المعقب، الذي كان جزءًا أصيلاً في هيكل كل جهة وشركة، وأصبح فيما بعد نشاطا مستقلا، لبعض الأفراد والمؤسسات. ويبقى السؤال.. كيف وأين اختفى العلاقي الأخضر الشهير، وإلى أين ذهب المعقب ؟ ملف في الذاكرة تقول هناء أحمد :” الملف الأخضر لا وجود له سوى في أدراج بعض المكاتب المهجورة، وفي ذكرياتنا، فقد أصبحنا نقدم على الوظائف بأسهل الطرق، ودون وجود طوابير للمتقدمين، التى أرهقت الكثير من أجيالنا، ونحمد الله على وجود الإنترنت الذي سهل على أبنائنا الكثير من الوقت والجهد”. وأضافت، بأنها لا تستخدم الملف الأخضر حاليا، إلا في حال استرجاع الذكريات الدراسية من فترة لأخرى؛ لأن نظام” أبشر” أصبح بديلا عنه في أغلب الأحوال. واستطردت هناء :” لا أستطيع الاعتماد بشكل كلي على الوسائل الحديثة وشخصياً يمكنني الوصول بشكل أسرع لمعلوماتي عن طريق هذا الملف، الذي يحوي شهادة ميلادي وشهاداتي الجامعية”. لامعاناة الآن سالم السيد، لم ينس معاناته مع الملف الأخضر، ومع ذلك عدها فترة جميلة، وقال: إن الإنترنت سهل كل شيء، ونظام أبشر حل بديلا ليصبح الملف في طي النسيان. وقال منصور محمد: إن الملف الأخضر لم يكن يفارق يده خلال تقديمه للوظائف، أما الآن حتى التقديم أصبح إلكترونيا بإرفاق صور المعلومات والوثائق الرسمية. وأشار أحمد فوزي إلى أن الملف الأخضر كان مهما في دورة المعاملات الرسمية أما اليوم فغالبا تتم المعاملات عن طريق المواقع الإلكترونية التي وفرت عناء الاتصال أو المراجعة للمكاتب لمعرفة ما تم بشأن الطلب الذي تم تقديمه فيما تتنافس الدوائر الحكومية في الإعلان عن الميزات والخدمات التقنية التي تقدمها للمواطن والمقيم. “البلاد” تواجدت في أكثر من موقع، ورصدت العديد من القصص الخاصة بالمعقبين، وكيف بدأوا حياتهم في التعقيب، وكان الإجماع أن النقلات الإلكترونية قلصت أدوارهم. يقول المعقب نايف العتيبي:” كنت أعمل في إحدى الشركات موظفا عاديا، إلا أن مديري طلب مني أن أذهب إلى المرور للاستفسار عن معاملة معينة بدلاً عنه، وعند وصولي إلى المرور سألت عن معاملته، لكن لم يجب أحد على أي استفسار؛ حيث تم إبلاغي أنني يجب أن أحمل توكيلا أو تفويضا لإنهاء المعاملة. ويضيف: خرجت من إدارة المرور والتقيت أحد المواطنين، فسألني إن كنت أريد أي خدمة من المرور، وبعد أن تجاذبت معه أطراف الحديث عرفت أنه يعمل معقبا في عدة أمور؛ منها تجديد الرخص أو الاستمارة أو الاعتراض على مخالفة مرورية وغيرها من الأمور، وعندما رجعت للشركة أبلغت المدير أن الأمر بحاجة إلى تفويض، وفعلا تم توكيلي لأداء مهمات التعقيب للشركة، ومن يومها انطلقت في العمل، و تشربت مهنة التعقيب خلال فترة قصيرة، وأصبحت ماهرا في مراجعة الدوائر الحكومية في كل الأمور؛ ومنها تجديد الإقامات والخروج النهائي وغيرها من المسائل المتعلقة بالوافدين، كما تعمقت في صيغة الخطابات التي تقدم إلى كل دائرة، والتي كانت أهمها، المرور والجوازات. أول معاملة واستطرد العتيبي، وهو يستعيد ذكرياته مع التعقيب بقوله : بمرور الأيام بدأت أتعلم وأبحث عن الطلبات أو المعاملات التي يحتاجها أغلب المراجعين، وغيرت إجازتي العملية من يوم الجمعة والسبت إلى بداية الأسبوع حيث يتواجد المراجعون بكثرة ، لافتا إلى أنه كان يقف بجوار سيارته، وفي يده حزمة من الأوراق ويقول : أذكر أن أول معاملة لي كانت إضافة مولود جديد لأحد المقيمين في المملكة؛ حيث قمت بتعبئة النموذج له وإرفاق الصور المطلوبة، وتصوير جواز السفر وشهادة الميلاد والأوراق الأخرى؛ لكي يتمكن من إضافته وطبع الإقامة الخاصة به، وأتذكر أنني حصلت منه على 13 ريالا، وبعد ذلك كرت سبحة العمل، وبدأت أسدد الرسوم من خلال صراف البنك. التطبيقات الذكية وأضاف العتيبي : اليوم أصبح العمل أقل بشكل كبير؛ سواء العمل الخاص بالشركة أو العمل الخاص بالمراجعين بعد تطور وفرض المواقع وتقديم الخدمات من خلال التطبيقات الذكية، التي سهلت على المراجعين إنهاء معاملتهم، وهم في موقعهم وسهلت علي العمل وإنجاز مهام الشركة عن بعد، وأيضا توصيلها لهم من خلال البريد السعودي، وأعمل اليوم على كتابة المعاريض وتصوير الوثائق وتقديم الخطابات الجاهزة الخاصة بتجديد أو تقديم الطلبات و سداد الرسوم أو المخالفات المرورية لمن يحمل مبالغ نقدية .. الفرق كبير ما بين الوقت الماضي والحاضر، لكن الحمد لله مهنة التعقيب والعلاقات الحكومية جعلتني أفتح بيتا وأتزوج وأسدد الكثير من الالتزامات المالية، وسهلت على العديد من المراجعين، ومازالت أمتهنها؛ كوني أصبحت معروفا لدى العديد من الموظفين. ربح وفير ويقول المعقب أبو هنية: إنه التحق بمهنة التعقيب منذ 10 أعوام بعد أن أغلقت الشركة التي كان يعمل بها أبوابها، وأنهت عقود عمل موظفيها وبعدها عملت لفترة على سيارة ليموزين إلا أنني وجدت أن هذا العمل مرهق، وليس به ربح ، وأذكر في أحد الأيام، ركب معي أحد المعقبين وتجاذبنا أطراف الحديث وشرح لي العديد من الأمور والتفاصيل المهمة وكيفية الربح بشكل سريع ونظامي دون مشقة . واستطرد أبو هنية : أصبحت معقبا ونسيت الوظيفة وكانت المعاملات في الماضي كثيرة، ولكن قلت هذه الأيام بدخول التطبيقات الذكية دائرة العمل وأصعب شيء في مهنة التعقيب، الجلوس تحت الشمس أو تحت مظلة لا تقي الحر في الصيف اللاهب، والحمد لله لأنني نجحت جدا في مهنة التعقيب، وبنيت منزلا وأغنتني المهنة عن الوظيفة وجعلتني أصرف على أبنائي، ومنهم من تخرج من الجامعة والحمد لله. والآن بعد هذه كله أصبح العمل أقل عما سبق؛ حيث لم يعد يرد معاملات أو مراجعات كثيرة، وخصوصا مع فيروس كورونا، أصبح العديد يستخدم المواقع الالكترونية إلا أن بعض المعاملات يتوجب الحضور إلى مقر الدوائر الحكومية لإنهائها، وأغلب ما يردنا الآن من المراجعين هو تعبئة خطابات لإقامة بدل فاقد، أو تسديد رسوم للعمالة أو للمخالفات أو التصوير الفوري. عند ولادتك كان لابد من حضوره .. وإذا شببت عن الطوق قليلا فسوف تحتاجه لتسجيل ما تحصل عليه من تطعيمات ..أما عندما يريد والداك إلحاقك بالمدرسة الإبتدائية، فإنه أول ما يطلب منهما .. ويظل يرافقك طوال سنين دراستك إلى أن تتخرج وإلا فكيف يمكن حفظ شهاداتك الدراسية إلى جانب كل وثائقك ؟ وهكذا يظل يرافقك، ولابد أن تحافظ عليه وإلا فلن يمكنك التقدم لأي وظيفة بدونه. إنه الملف العلاقي – أو الملف الأخضر في رواية أخرى أكثر شيوعا. المشكلة ليست في حفظ ملفك وحدك فهناك الآلاف أو الملايين من الملفات، التي يتعين على الجهات الحكومية وغير الحكومية الاحتفاظ بها؛ للرجوع إليها عند الحاجة. وتدريجيا بدأ هذا الرقم الصعب في حياة كل منّا يتوارى إلى أن اختفى نهائيا تحت وطأة التقنية، وأصبح في عصر الكمبيوتر وأخواته بلا قيمة.. وحلت محله دون ضجيج الأرشفة الالكترونية .. ووقعت شهادة وفاته الأنظمة الحديثة والأحدث مثل ” أبشر ” الذي ينهي المواطن والمقيم من خلاله كل معاملاته بضغطة زر .. الأرشفة الإلكترونية أما محمد نواف، فأكد أن لا شيء يبقى على حاله، فقد استبدل الملف الأخضر بملف بصيغة الـ (بي دي إف) يوجد به جميع المعلومات التي تعوض عن الورق ويمكن أرشفتها إلكترونياً، بينما الملف الأخضر أصبح في الذاكرة فقط ولا وجود له في الواقع وحل نظام” أبشر” مكانه. وأشار نواف إلى أن الملف الأخضر كان يحتوي على كل المعلومات الرسمية للشخص منذ ولادته؛ من شهادات تطعيم وتعليمية وصور شخصية وصور من البطاقات الرسمية. وقال خالد إبراهيم: إن التحول الذي نشهده الآن نعمة عظيمة؛ لأن تقديم المعاملات برفقة الملف الأخضر كانت صعبة للغاية، وتتطلب جهداً وفي كثير من الأحيان السفر للتقديم على وظيفة ما أو معاملة ولا يوجد سبب لاستخدامه في الوقت الحالي؛ لأن نظام أبشر يؤدي الغرض، ورغم أن الملف الأخضر كان يحتوي على صور وفواتير وشهادات، إلا أنه يمكن بسهولة أرشفة الملفات إلكترونيا على الحاسوب أو حتى على الهاتف المحمول. أين المعقب ؟ ومع الملف العلاقي، توارى على استحياء المعقب وتغيرت أدواته، ولم تعد الطاولة والمظلة حاضرة معه.. وكانت مهنة التعقيب قد اقترنت بالجوازات منذ سنوات طويلة، حيث كانت البداية والانطلاقة منها، ثم تحولت إلى مهنة لإنهاء المعاملات في كل الدوائر الحكومية، ومن ثم نشأت مكاتب متخصصة في التعقيب، وأخيرا أصبح المعقب داخل المنشأة الخاصة أو الحكومية هو صاحب العلاقات الممتدة والماهر في إنهاء المعاملات؛ مهما تشابكت وصعبت وتعقدت وظلت المهنة إلى وقت طويل تدر على شاغليها أرباحا معقولة، وتفرعت المهنة ليدخلها أصحاب الكفاءات والخريجون، لكن مع النقلات الالكترونية انخفض “صيت” المعقبين؛ إذ تولت الأبواب الالكترونية في شبكة الانترنت معالجة كثير من المعاملات، التي كان يتولاها المعقبون بأجر، ورغم النقلات الإلكترونية ما زال المعقب أو رجل الأوراق الخضراء له حضوره الباهت والنادر؛ حيث تجده أحيانا أمام الجهات الحكومية سواء داخل مركبته أو حتى في ” صندوق ” السيارة أو على الرصيف أو عند الصراف الآلي، يعرض عليك العديد من الخدمات لقضائها عنك. تجديد الوثائق ويواصل ذكرياته : بمرور الأيام وضعت عددا من الإعلانات في موقع ” للحراج ” وهطلت علي الكثير من المعاملات كما أنني طلبت من الشركة نقلي إلى وظيفة موظف العلاقات الحكومية؛ لتكون مواكبة لما أعمله بالتعقيب، وبالفعل أصبحت أتولى مهام العلاقات الحكومية وأقوم بتوصيل الخطابات والطرود الصادرة، ومتابعة إنهاء المعاملات والإجراءات لدى الجهات الحكومية، والخاصة، وذات العلاقة، وأيضا باستلام المعاملات الموجهة للشركة من الجهات ذات العلاقة، وتجديد كافة الوثائق والتراخيص الخاصة بالشركة مع متابعة البريد وإحضاره لمقر الشركة. وأضاف : بعد أن سمعت ما قاله الرجل عن التعقيب، وكيف أنه ” كنز ” كبير استعرت في اليوم التالي مركبة أخي، وذهبت لشراء كاميرا للصور الفورية، ووضعت في حسابي البنكي 1000 ريال واستخدمت أحد الأجهزة المحمولة” لابتوب” وذهبت أمام الجوازات، عندها بدأت بسؤال المراجعين عن تقديم الخدمات لهم مثل السداد أو التصوير. في اليوم الأول لم أجنِ شيئا ورجعت بـ ” خفي حنين ” لكن لم أستسلم وبحثت بشكل أكبر وأضفت المعاريض، وتنوعت خدماتي مثل كتابة خطاب بالطريقة التي قالها لي المعقب، وغيرها من المعاملات، وكانت أول خدمة قدمتها للمراجعين، هي التصوير الفوري وإرفاقها بخطاب إصدار إقامة جديدة لأحد المواطنين، الذي استخرجها لسائقه الذي استقدمه من الهند.
مشاركة :