تسلمت السعودية رئاسة مجموعة العشرين هذا العام 2020م في زمن نشهد فيه تحولًا كبيرًا في المشهد العالمي نتيجة التغيرات الاجتماعية والبيئية والتقنية والديموغرافية. ولطالما كان التعاون والعمل الجماعي الدولي السمة الأبرز لمجموعة العشرين، حيث أظهرت المملكة تميزًا في قيادتها لأعمال المجموعة خلال رئاستها لمجموعة العشرين هذا العام، في أكثر الظروف تحديًا واختبارًا ممثلةً في جائحة كوفيد-19 التي عصفت بالعالم أجمع. وفي المسار المالي لمجموعة العشرين تحديداً، تمكنت المملكة من قيادة برنامج عمل طموح خلال اجتماعات وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية برئاسة كل من وزير المالية محمد الجدعان ومعالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي أحمد الخليفي، وذلك لتنسيق استجابات طارئة قوية وواسعة النطاق ومنسقة - على مستويات غير مسبوقة في تاريخ مجموعة العشرين، خصوصًا في خضم تفشي جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) والذي أحدثت صدمة أثرت على الاقتصاد العالمي والتي ضاهت تبعاتها تبعات الأزمة المالية العالمية في عام 2008م. وقد ضخت الدول الأعضاء بمجموعة العشرين حتى الآن ما يربو على الـ 11 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي خلال رئاسة المملكة للمجموعة، وهو أضخم دعم مالي مسجل حتى الآن، ويفوق ما تم تقديمه خلال الأزمة المالية بأربعة أضعاف. كما صادق كذلك وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية لمجموعة العشرين في اجتماعهم في إبريل على خطة عمل مجموعة العشرين – دعم الاقتصاد العالمي أثناء جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19). وتقدم خطة العمل جملة من الالتزامات الشاملة الهادفة إلى الاستجابة إلى آثار الجائحة ودفع التعاون الاقتصادي الدولي قُدمًا، وحماية الاقتصاد العالمي واستعادة نمو اقتصادي عالمي قوي ومستدام ومتوازن وشامل في نهاية المطاف. علاوةً على ذلك، أطلقت مجموعة العشرين في خطوة تاريخية مبادرة لتعليق مدفوعات خدمة الدين التي اتفق فيها الدائنون الثنائيون الرسميون على تخفيف أعباء الدين على الدول الأشد فقرًا من خلال منحها سيولة عاجلة فورية تمكن هذه الدول من معالجة آثار جائحة كوفيد-19. ومن المقدر أن يتم ضمن المبادرة تقديم 14 مليار دولار لـ 73 دول مخولة وهذا فقط في عام 2020م وحده، مما يمكنها من تعزيز جهود مكافحتها للجائحة وما يترتب عليها من تداعيات اجتماعية واقتصادية. كما اتفق وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين في 14 أكتوبر 2020 على تمديد مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين لفتر ة 6 أشهر إضافية، وحتى حلول اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي لعام 2021م، مع دراسة الوضع الاقتصادي والمالي للتبين ما إذا دعت الحاجة لتمديد المبادرة لفترة 6 أشهر إضافية. وفي الجانب الصحي، اتفق وزراء المالية ووزراء الصحة لمجموعة العشرين سويًا على العمل المشترك لتسريع الأبحاث المتعلقة بالأدوات التشخيصية والعلاجات واللقاحات لجائحة فيروس كورونا، وتطويرها، وتوزيعها ، وذلك بهدف دعم الوصول العادل ميسور التكلفة للجميع، وهو عامل جوهري في التغلب على الجائحة ودعم التعافي الاقتصادي العالمي. وسيتم ذلك عبر مبادرة "تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19 (ACT-A) ومرفق إتاحة لقاحات كوفيد-١٩ على الصعيد العالمي "مرفق كوفاكس COVAX" ومنح الترخيص الطوعي لحقوق الملكية الفكرية. كما عملت مجموعة العشرين أيضًا، من خلال اجتماعات وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، مع المؤسسات المالية الدولية لتقديم استجابة مالية قوية وسريعة للدول المحتاجة. حيث طبق صندوق النقد الدولي منذ شهر إبريل عام 2020م حزمة دعم شاملة للدول النامية، حيث قدم الصندوق تمويل طارئ يبلغ 101 مليار دولار أمريكي لحوالي 81 دولة نامية. وقامت كذلك بنوك التنمية متعددة الأطراف برفع التزاماتها الجماعية للدول النامية والدول منخفضة الدخل ليصل إلى حوالي 230 مليار دولار، وهي مخصصة لمعالجة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية للجائحة. ولكونها تترأس مجموعة العشرين هذا العام، فإن للمملكة دور بارز في التذكير بضرورة التضامن والتعاون الدولي في معالجة آثار هذه الجائحة، إضافةً إلى أي تحديات عالمية مستقبلية مشابهة، وستبني قمة الرياض القادمة في 21-22 نوفمبر على نجاح القمة الافتراضية الاستثنائية لقادة مجموعة العشرين التي عقدت في شهر مارس الماضي، حيث أعلن قادة مجموعة العشرين التزامهم باستجابة قوية ومنسقة وسريعة للوباء ومعالجة أي ثغرات في التنسيق والتعاون الدوليين. ستركز قمة قادة مجموعة العشرين القادمة على حماية الأرواح واستعادة النمو الاقتصادي، من خلال معالجة نقاط الضعف في الاقتصاد والصحة العالميين، والتي تجلت خلال الوباء، وإرساء الأسس لمستقبل أفضل. كما ستركز القمة أيضًا على تعزيز العمل الدولي لاغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع، من خلال تمكين الأفراد وحماية كوكب الأرض، مع تسخير إمكانات الابتكار لتشكيل آفاق جديدة.
مشاركة :