بقلم الدكتور: محمد أحمد عيد، باحث في الشؤون الاقتصادية والصناعية: عملا بتوجيهات الرئيس الصيني شي جين بينغ بالانفتاح على الأسواق العالمية وتعزيز آليات التعاون وتقاسم المنفعة منها عبر نظام تجاري متعدد الأطراف، سيقام معرض الصين الدولي الثالث للاستيراد في شانغهاي خلال الفترة من 5 إلى 10 نوفمبر المقبل، ويقام المعرض هذه المرة بدورته الجديدة في ظروف استثنائية جدا حيث ما يزال وباء فيروس كورونا المستجد منتشرا في مختلف دول العالم، وما تزال اقتصادات معظم الدول الصناعية الأوروبية منها والأمريكية منكمشة أو متعثرة، في ظل ضعف صادرات تلك الدول وانخفاض عملاتها وارتفاع أسعار الذهب عالميا اضافة الى العديد من الازمات السياسية وعدم الاستقرار في أسواق الشرق الأوسط وتذبذب أسعار النفط والغاز. الصين أمام تحد كبير من نوعه، فمن جهة عليها ان تراعي الشروط الصحية أثناء الافتتاح والنشاطات الأخرى، ومن جهة أخرى عليها أن تستخدم أفضل التقنيات الحديثة لضمان أوسع للمشاركات سواء بالحضور على ارض المعرض لممثلي الشركات العالمية أو عبر المتابعات المباشرة على الشبكة العنكبوتية، كما ستكون الصين مقصدا للكثير من الشركات عبر البحار هذه المرة لمحاولة كسب فرص أكبر في الأسواق الصينية التي تعافت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بينما ما تزال مثيلاتها في باقي الدول تعاني الأمرين في ظل كورونا. وأذكر أنني حضرت الدورة الأولى والتي شهدت حضورا ملفتا لمئات الشركات الأجنبية والتي كانت تصف الصين بعبارات: “بلد الفرص”، “السوق الواعدة”، “بلد الخيارات الاقتصادية المتنوعة” وغيرها من العبارات التي تدل على انفتاح الصين على كل دول العالم من جهة وسعي الصين الحثيث لعمل المزيد من التبادلات التجارية معها. ومن المتوقع أن يحمل المعرض هذه المرة صفتين أساسيتين؛ الأولى “تسويقية” والثانية “توعوية”، ويقصد بذلك أن الشركات الكبرى ستسعى لطرح أكبر عدد من منتجاتها وتسويقها عالميا ع طريق المعرض، كما ستسعى شركات أخرى لاكتساب خبرات جديدة قامت بها الصين في مجال مكافحة فايروس كورونا وإدارة الازمات، وبالتالي سيكون للقطاعين الدوائي والوقائي تواجدا قويا في اقسام المعرض عبر مئات العارضين والمسوقين والذي يتوقع أن يكون منظما تنظيما مميزا هذه الدورة. الصين وفي كل دورة من هذا المعرض تقدم للعالم ابتكاراتها الجديدة، ومن المتوقع أن تطرح الصين عشرات المنتجات الجديدة وخاصة تقنيات العلاج والاستشفاء وتجهيزات كثيرة في مجال الرعاية الطبية والرقابة على المنتجات الغذائية في ظل الوباء. شأن الصين دوما عبر كل معارضها هو مد يدها للاقتصادات الناشئة والمتعثرة ودعمها للوقوف من جديد؛ فكيف إذا كان الوضع الاقتصادي خطيرا بسبب الازمة العالمية لكورونا؟! بالتأكيد ستقبل الصين التحدي وستكون أكثر كرما وانفتاحا على العالم، وسنشاهد عما قريب أن كبريات الشركات العالمية ستشد رحالها نحو السوق الصينية لكسب فرص أفضل ونجاح واعد مضمون. لقد سجل الاقتصاد الصيني منفردا نموا اقتصاديا ملحوظا في حين أن باقي الاقتصادات العالمية في تراجع مستمر وانهيار غير مسبوق في أسواقها؛ وبالتالي ستسعى تلك الاقتصادات لاستغلال هذا المعرض إما لطرح سلع وتقنيات جديدة أو لمحاولة اقتناص فرص من الممكن ألا تتحقق لها على المدى القريب، سيما وأن معظم اقتصادات باقي دول العالم فشلت في دعم اقتصادها أو حتى على الأقل في إقامة معارضها في ظل وباء كورونا وكان آخر إلغاء هو المعرض المزمع اقامته في ألمانيا لهذا السبب. وفي حديث لي مع أحد الأصدقاء وهو مسؤول عن احدى كبريات شركات الصيرفة ومدير لأحد أهم المصارف هناك؛ قال: “إن المعرض الدولي للاستيراد منفعة متبادلة بين المسوقين الصينيين والمستثمرين والمروجين الأجانب، لكن في هذه الدورة تميل الكفة لصالح الصين لأنها عرفت كيف تصمد أمام ازمة كورونا وتبقي عجلة الصناعة دوارة وتجعل العالم يحترم طريقتها في إدارة الكوارث جنبنا الى جنب مع إدارة الصناعة والزراعة والاقتصاد وابقائها جميعا في رونق مستمر.” سيكون معرض الصين للاستيراد في دورته الثالثة مناسبة غير عادية لبث روح التعاون بين مختلف دول العالم لخدمة الانسان والنهوض بالأوضاع الاقتصادية لبعض الدول المنهكة بسبب الازمات، كما سيكون منصة لتبادل المنفعة بين دول العالم على امتداد المعمورة وواحة للنقاش الاقتصادي الهادف للنهوض من جديد نحو تنمية عالمية اقتصادية مستدامة انطلاقا من قلب الصين بحزامها وطريقها.
مشاركة :