مع ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد في شمال غرب سوريا، بات حسن سويدان يخشى الذهاب إلى المستشفى لمتابعة وضعه الصحي ويجد نفسه عالقاً وسط مخيم مكتظم بالنازحين مع العجز عن اتخاذ أبسط إجراءات الوقاية. ومنذ بدء انتشار وباء كوفيد-19 في إدلب، أبدت منظمات إنسانية خشيتها من وقوع كارثة صحية إذا ما تفشى الفيروس داخل المئات من مخيمات النازحين المنتشرة على طول الحدود بين محافظة إدلب وتركيا. وتفتقد تجمعات النازحين للخدمات الأساسية من مياه وشبكات الصرف الصحي. ويبدو غسل اليدين أو الاستحمام بمثابة ترف لا يمكن لكثيرين الحصول عليه. في أحد تلك المخيمات، يقول حسن سويدان وهو نازح منذ سنوات من شمال حماة، "نقطن في خيم متلاصقة ببعضها البعض. إذا جلس الواحد منا لتبادل الحديث مع عائلته يسمعه جيرانه من حوله، فلا عتب على المرض". ويعاني سويدان وهو في الأربعينات من عمره وأب لستة أطفال من مرض تشمّع الكبد منذ سنوات، ما يثير خشيته أكثر من الإصابة بفيروس كورونا المستجد مع حاجته لمتابعة وضعه في المستشفى. ويوضح من داخل غرفة متواضعة ذات جدران اسمنتية مسقوفة بغطاء من البلاستيك، "هنا في المخيمات لا نستطيع أن نحجر أنفسنا والمستشفى مكتظ أساساً. بات الواحد منا يخاف من (الاحتكاك مع) الأطباء والممرضين لكي لا يتعرض للإصابة". ويروي "منذ فترة أصيب أحد أقاربنا، ولذلك أنا متخوف كثيراً لأنه ما من مناعة لدي". وشهدت مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في إدلب ومناطق سيطرة القوات التركية والفصائل المعارضة الموالية لها في شمال حلب مؤخراً ارتفاعاً في عدد الإصابات بالفيروس. وسجلت مديرية الصحة، التابعة للمعارضة السورية والمشرفة على الوضع الصحي في المنطقتين، أكثر من خمسة آلاف إصابة و42 حالة وفاة على الأقل. وبعدما كانت المنطقة تسجل عشرات الحالات يومياً، باتت الإصابات تفوق 300 حالة أحياناً. وخلال مؤتمر صحافي الأربعاء، أفادت مديرية الصحة عن تسجيل أكثر من 860 حالة بين الكوادر الطبية ونحو 330 إصابة في المخيمات. تفترش غتوى المحمّد (80 عاماً) الأرض وتنهمك في رصّ الزيتون حبة تلو الأخرى. وتوضح المرأة التي حفرت التجاعيد عميقاً في وجهها بحسرة، "نخاف من المرض، ولا نتجرأ على الخروج .. نعيش أساساً فوق بعضنا البعض". وتقول "احترنا ماذا نفعل" قبل أن تضيف باللهجة المحكية "لو الله يموّتنا ويريّحنا". - "شبه المستحيل" - خلال كلمة أمام مجلس الأمن الدولي، قال مساعد الأمين العام للأمم المتّحدة للشؤون الإنسانيّة مارك لوكوك "ارتفعت الإصابات في شمال غرب سوريا ست مرات أكثر خلال شهر، وقد ازدادت أيضاً في مخيمات النازحين". ويأتي ارتفاع عداد الإصابات بعد زيادة نسبة فحوص الكشف عن الفيروس مع تزويد الأمم المتحدة المنطقة بمختبرين إضافيين في كل من عفرين وجرابلس في شمال حلب، بالإضافة إلى المختبر الرئيسي في إدلب. وتؤوي مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب ومحيطها نحو ثلاثة ملايين شخص نصفهم من النازحين الذين يقطنون في أكثر من ألف مخيم في شمال غرب سوريا، وفق الأمم المتحدة. ونظراً للاكتظاظ في شمال غرب سوريا، أشار مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للأمم المتحدة إلى أن "التحدي الأساسي في مواجهة وباء كوفيد-19 هو صعوبة عزل الناس". وفي مبنى مديرية الصحة في مدينة إدلب، يقول الطبيب يحيى نعمة لوكالة فرانس برس "نحمّل قوات النظام وروسيا مسؤولية الوضع المأساوي الذي يعاني منه النازحون بعد تهجيرهم، بعدما فُرض عليهم الاكتظاظ السكاني في المخيمات". وتسبّبت هجمات عدة شنتها قوات النظام بدعم روسي بنزوح مئات الآلاف من منازلهم واللجوء إلى المخيمات في شمال إدلب، وكان آخرها هجوم استمر ثلاثة أشهر بداية العام الحالي ودفع بنحو مليون شخص للنزوح، لم يعد منهم سوى نحو 235 ألفاً إلى مناطقهم، غالبيتهم بعد اتفاق لوقف اطلاق النار. وطلبت مديرية الصحة من السكان الالتزام بالتباعد الاجتماعي، وفق نعمة الذي يضيف "هذا أشبه بالمستحيل". ورغم إدراكهم لإجراءات الوقاية الضرورية، إلا أن قلة في المخيم يضعون الكمامات، فلا قدرة على شرائها وتغييرها بين الحين والآخر أو على شراء مواد التعقيم. ويعتمد النازحون أساساً على المساعدات لتأمين الطعام والمياه والحصول على الخدمات الاستشفائية والتعليمية لأطفالهم. ويقول محمّد العمر (40 عاماً)، النازح قبل ثمانية سنوات من ريف إدلب الجنوبي وهو أب لأربعة أطفال "يقولون لنا لا تخرجوا ولا تتسببوا بزحمة، ونحن نعيش في مخيمات يفصل بين الخيمة والأخرى نصف متر". ويوضح "أعطوا كل واحد منا يفوق عمره الخمس سنوات كمامة واحدة على اعتبار أنها كافية، وهي لا تكفي". ولا يستطيع العمر، الذي يعمل سائق صهريج مياه، البقاء في الخيمة، إذ عليه الخروج يومياً للبحث عن لقمة عيشه في منطقة تشهد كسواها من المناطق السورية ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية. ويقول "إذا بقيت في الخيمة، كيف أعيش وكيف آكل؟".
مشاركة :