أثار تدهور الوضع الأمني بشكل متزايد خلال الأسابيع الأخيرة في شمال ووسط مالي، مخاوف سكان الجنوب الذين كانوا يعتقدون أنهم بمنأى عن الهجمات التي تشنها التنظيمات الإرهابية الناشطة في المنطقة، في حين حاولت السلطات أن تطمئن السكان من خلال فرض إجراءات أمنية جديدة. ورغم الإجراءات الأمنية المكثفة في محيط ووسط العاصمة المالية باماكو، فإن سكان المدينة تابعوا بقلق كبير حادثة احتجاز رهائن قبل أيام في فندق بمدينة سيفاري التي تبعد 620 كلم إلى الشمال الشرقي من باماكو، وهم يتذكرون هجومًا مماثلاً على أحد مطاعم باماكو يرتاده مواطنون غربيون قبل عدة أشهر. حالة القلق التي تعيشها المناطق الجنوبية من مالي، ظهرت بشكل واضح في التصريحات التي أدلى بها بعض الشخصيات السياسية التي تحدثت عن تقصير أمني وثغرات لا يمكن السكوت عنها مكنت الإرهابيين من الوصول إلى أهدافهم بسهولة. وفي هذا السياق يقول الصحافي إسماعيل ديارا في حديث عبر الهاتف من باماكو مع «الشرق الأوسط»، إن «سكان باماكو تنتابهم حالة من الخوف، لقد أصبحوا يحسون أنهم ليسوا بمنأى عن الهجمات الإرهابية، خاصة بعد أن تمكن الإرهابيون من مهاجمة مدينة سيفاري التي تعد بمثابة القاعدة العسكرية المحصنة، حيث توجد القوات الفرنسية العاملة في منطقة الساحل (برخان)، وقوات بعثة الأمم المتحدة لدعم الاستقرار في مالي (مينوسما)، إلى جانب معسكرين للجيش المالي، ووحدات للحرس الجمهوري والشرطة والدرك؛ ورغم كل ذلك وصل الإرهابيون إلى الفندق الذي يقيم فيه مواطنون غربيون». وأضاف ديارا الذي يعمل في صحيفة مستقلة تصدر في باماكو: «نجاح الإرهابيين من اختراق الاحتياطات الأمنية في سيفاري، جعل سكان باماكو يحسون بالخوف من شن هجمات في مدينتهم»، مشيرًا إلى أن السلطات تحاول أن تستخدم الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني والعلماء من أجل تهدئة السكان. من جهة أخرى دعت أوساط سياسية في باماكو إلى ضرورة تعزيز القدرات الاستخباراتية لمواجهة التحديات الأمنية عبر تنفيذ عمليات عسكرية استباقية ضد العناصر الإرهابية التي تبذل جهدًا كبيرًا لاستغلال كل ثغرة أو هفوة من أجل شن عمليات جديدة. ودقت بعض الأحزاب السياسية في المعارضة ناقوس الخطر معتبرة أن السياسة الأمنية التي يتبناها الرئيس المالي إبراهيما ببكر كيتا هي السبب في تفاقم الوضع، منتقدة في الوقت ذاته السعي إلى عقد اتفاقيات مصالحة مع بعض الجماعات المسلحة المتمردة في وقت هي المسؤول الحقيقي عن تدهور الوضع الأمني في البلاد. وقال قيادي معارض في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «من يقفون وراء تدهور الوضع الأمني في مالي معروفون، إنهم إياد أغ غالي وأحمدو كوفا، وهذان الرجلان يرتبطان بعلاقات وطيدة وقوية مع الحركات المتمردة التي جلست معها الحكومة على طاولة المفاوضات ووقعت معها اتفاق مصالحة». وتساءل القيادي المعارض: «لماذا نتحاور مع بعض هؤلاء في وقت يشن بعضهم الآخر هجمات ضد جنودنا، هل أصبحت الدولة في مالي ضعيفة لهذه الدرجة، وهل تخلت عنا المجموعة الدولية، وحتى إذا كان جيشنا ضعيفًا هل توقفت قوات الأمم المتحدة والجيش الفرنسي الموجودون على أرضنا عن ملاحقة الإرهابيين والقضاء عليهم»، وفق تعبيره. وكانت جماعة «المرابطون» التي يقودها الجزائري مختار بلمختار المعروف بلقب «بلغوار»، قد أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم على فندق في مدينة سيفاري وسط مالي ومحاولة احتجاز رهائن داخله، وهي العملية التي انتهت بمصرع 13 شخصًا وفق الحصيلة النهائية التي أصدرتها الحكومة المالية. في غضون ذلك عثر المحققون على أرقام هواتف وعناوين بحوزة اثنين من منفذي عملية احتجاز الرهائن قتلوا أثناء الهجوم، وأكدت المصادر الأمنية أن ذلك من شأنه أن يساعد المحققين في معرفة ارتباطات الكوماندوز الذي نفذ الهجوم وطريقة تحركه وأسلوب عمله. من جهة أخرى قتل مسلحون مجهولون 10 مدنيين في هجوم على قرية جابيري التي تقع في الشمال المالي، وذلك بعد يوم واحد من انتهاء عملية احتجاز الرهائن في فندق بمدينة سيفاري؛ وفي مطلع الأسبوع كان قد قتل 10 جنود ماليين على الأقل في هجوم نفذه مجهولون. ويهدد تدهور الوضع الأمني في مالي اتفاق مصالحة وقعته الحكومة مع المتمردين، شهر مايو (أيار) الماضي في العاصمة باماكو، بضغط كبير من المجموعة الدولية التي رعت المفاوضات بين الطرفين في الجزائر؛ فيما يرى المراقبون أن التنظيمات الإسلامية المتشددة التي تنشط في المنطقة وعادت بقوة خلال الأسابيع الأخيرة، تبذل جهدًا كبيرًا من أجل إفشال مساعي السلام في مالي.
مشاركة :