دعاء الجهيني تكتب: «مونتسيكو».. وتضارب المهام

  • 11/2/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

عادةً، يأتي دور النظريات بما تحمله من فرضيات وفلسفة نظرية في تفسير ظاهرة ما أو مفهوم ما. وربما تثبت هذه النظريات صحتها في أرض الواقع وربما يحدث العكس. والنظرية التي تثبت صحتها، تتسم بالتماسك والدقة حتى وإن تغير الزمان والمكان. وقد يكون الهدف الأساسي للنظرية هو تقديم تشخيص لظاهرة ما دون وصفة علاجية، وعلى الجانب الأخر، تتواجد نظريات تقدم هدفي التشخيص والعلاج في نفس الوقت. فمفهوم تضارب المهام conflict of Duties على سبيل المثال، هو أحد المفاهيم التي ظهرت حديثًا في تصنيف سلوكيات تضارب المصالح في المنظمات. فقد أخذ الباحثون على عاتقهم، مهمة تحديد نوع السلوك الذي يقوم به الموظف العام في المنظمة، والاجتهاد في تحليله وتعريفه، لتحديد ماهيته بدقة. وقد كان الجمع بين مهمتين رسميتين أحد أشكال ظاهرة تضارب المصالح، إلى أن تم استبداله بمفهوم آخر أطلق عليه تضارب المهام. ورغم حداثة المصطلح، فإن السلوك في حد ذاته لا يعتبر حديثًا، فهو ظاهرة سائدة في كل العصور، يقوم بممارستها المسئول أو الموظف العام ليجمع بين سلطتين. ولهذا السبب، تتسم نظرية "مونتسكيو" حول الفصل بين السلطات والتي صاغها البارون دي لا بريدي إي دي مونتسكيو ، الفيلسوف الفرنسي الاجتماعي والسياسي في القرن الثامن عشر، بالأهمية رغم أنها قديمة قدم التاريخ. فقد اهتمت نظرية " مونتسكيو " بتفسير وعلاج ظاهرة تضارب المهام التي تنتج عن تعدد الأدوارMultiple Rules ، والتي يكون بها الفرد في موضع تضارب سلطتين إحداهما حيادية و الأخرى متحيزة مما يوقعه في تضارب مهام غير مقبول. وتظهر النظرية مقدرتها الإصلاحية في علاج حالة تضارب المهام التي تظهر عند الأفراد في القطاع العام نتيجة تقلدهم لأكثر من سلطة في ذات القطاع ، حيث تقوم فكرة النظرية على مبدأ تاريخي حول أهمية " الفصل بين السلطات " خاصة في مجالات صنع القرار حيث يظهر على الموظفين العموميين استغلال سلطاتهم بشكل تعسفي يضر بمصلحة الغير ، ولهذا السبب تظهر أهمية نظرية مونتسكيو في كونها أداة لحل مشكلة الرقابة الناتجة عن تعدد وتداخل السلطات و الأدوار ، وذلك من خلال تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية الطرف المراقب . وفي بعض حالات التبعية والارتباط بين سلطات الحكومة ، تظهر نظرية مونتسكيو كوسيلة نحو تحقيق الفصل بين هذه السلطات ، فعلى سبيل المثال ، تقوم السلطة التشريعية في بعض الدول بتعيين السلطة القضائية عبر تعيين قضاة المحكمة الدستورية من قبل البرلمان ، وبالتالي ينجم عن ذلك سيطرة واضحة وتدخل مباشر من الممثلين المنتخبين على صلاحيات الاخرين ، وبتطبيق مضمون النظرية ، فإنه يتولد نظام من الضوابط والتوازنات .وتعد آلية الفصل أحد أهم آليات تنظيم ظاهرة تضارب المهام في الوقت الحالي، وهي تختلف عن ظاهرة تضارب المصالح التي تقوم على آليتي الفصل و التوازن تبعًا لنوع المواقف التي يقع بها الموظف . حيث الهدف من الفصل في ظاهرة تضارب المهام هو منع تدخل السلطات في مهام بعضهم البعض، حيث يناط بكل سلطة مسئوليات تختلف عن مهام السلطات الأخرى. ولهذا السبب قامت معظم دساتير العالم بتطبيق مبدأ الفصل في نظرية مونتسكيو، ولا تزال هذه النظرية لها أهميتها البالغة في تفسير الظواهر الحديثة وتقديم آليات إصلاحية لعلاج الخلل الناجم عنها.

مشاركة :