زخر ملف صحيفة "الاقتصادية" عن الطاقة الشمسية الذي نشرته الصحيفة في سبع حلقات آخرها اليوم؛ زخر بأمور مهمة للغاية يمكن أن تسهم وبقوة في تغيير واقعنا الحالي بعد أن تأخرنا سنوات طويلة في تطوير الطاقة الشمسية وعدم الاستفادة منها أو استثمارها دون أي مبررات منطقية؛ بل إن الجهات المختصة بهذا الموضوع الحيوي تجاهلته كثيرا وكأنه لا يعنيها! لا يمكننا أن نتجاهل التأثيرات الكبيرة التي خلفتها ارتفاعات أسعار النفط القياسية في نهاية العقد الماضي، فلقد تسببت هذه الارتفاعات في زيادة قناعات الدول حول العالم، خاصة الدول الصناعية الكبرى، بحاجتها إلى طاقة بديلة متوافرة ورخيصة، واستغل المؤيدون لهذا الاتجاه تلك الموجة المرتفعة من أسعار النفط لإقناع رجال السياسة والمال، بضرورة الاستثمار المتزايد في مجالات الطاقة النظيفة، خاصة الطاقة الشمسية. منذ ذلك الوقت اندفعت مجموعات استثمارية كبرى حول العالم نحو ضخ استثماراتها في هذا المجال، فبينما لم تزل أسعار النفط تحلق فوق 50 دولارا للبرميل، فإن سعر كيلو واط واحد في الساعة من محطات الطاقة الشمسية يراوح بين 6 و13 (سنت/ دولار)، وهذا بلا أدنى شك يغري بالمزيد من الطموح والرغبة في ضخ الأموال لتطوير سبل الاستفادة من الطاقة الشمسية واستخداماتها. العالم اليوم يشهد نجاحات واسعة في هذا المجال لم تكن متاحة منذ عقدين من الزمان، وهذا بفضل التوجه العالمي الجديد. وإذا استمر الحال هكذا، فإن النفط كمصدر رئيس للطاقة سيفقد جزءا مهما من مكانته في المستقبل القريب، ولن يصبح المصدر الرئيس الأول للطاقة، كما حصل للفحم الحجري من قبل، وبطبيعة الحال فإن شيئا من هذا القبيل سيؤثر في أسعار النفط هبوطا وبشكل كبير جدا، ويصبح الاستثمار فيه أمرا محدود الجدوى اقتصاديا. لهذا كله لا يمكننا تجاهل ما يحدث اليوم في اقتصاديات الطاقة، ولا يمكننا التغافل عن حمى الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة والنجاحات التي بدأت تظهر في شتى أنحاء العالم، خاصة في مجالات الطاقة الشمسية. من المهم فهم أن التحولات الرئيسة في مدخلات الطاقة نحو الطاقة الشمسية ستتسبب حتما في تحولات أخرى مماثلة في الأجهزة والمعدات التقنية بكل صورها وأشكالها، وبما أننا دولة غير صناعية في الأساس؛ بل دولة منتجة للطاقة؛ حيث عملنا هكذا خلال العقود الماضية، ومن المتوقع أن نبقى هكذا لفترة طويلة أخرى، فإننا حتما سنواجه صدمة تقنية كبيرة؛ حيث ستتبدل جميع تقنيات الصناعة ومنتجاتها نحو استخدام الطاقة الشمسية. وإذا كنا ننفق اليوم نحو مليار ريال (266 مليون دولار) يوميا لتأمين الطاقة محلياً، وهو ما يعادل أربعة ملايين برميل نفط، فكيف ستكون الحال مع التحولات الجوهرية في استخدامات الصناعة للطاقة الشمسية التي نفقد تقنياتها اليوم، لا شك أننا سنصاب بصدمة حضارية كبيرة. ومهما بلغ إنتاجنا من النفط حينها، فإننا سندخل نفق فقر الطاقة؛ نظرا لتحول الصناعة في العالم نحو الطاقة الشمسية، وقد نتعرض إلى تداعيات عكسية خطيرة في مواردنا. لهذا كله فمن المهم جدا أن يعلق أحدنا الجرس، ولهذا أيضا فتحت صحيفة "الاقتصادية" هذا الملف الشائك اليوم، المليء بالفرص غدا، حتى نتنبه إلى المساحة الكافية من الوقت والثروة المتوافرة حاليا لنعمل على المشاركة في المستقبل وصناعة الطاقة فيه، وحتى تبقى المملكة متصدرة له. فكما يؤكد المختصون الذين استعرضت "الاقتصادية" آراءهم في هذا الملف بأن لدى السعودية واحدا من أعلى مستويات الإشعاع الشمسي في العالم، إذ تتلقى من الإشعاع في المتوسط بين 1800 و2200 كيلو واط في الساعة لكل متر مربع في السنة، وبالتالي فإنها تعد أكبر سوق محتملة للطاقة الشمسية حول العالم. وتظهر بيانات الأشعة الشمسية لوكالة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا)، أن أجزاء من السعودية تأتي في المرتبة الثانية على مستوى العالم بعد صحراء تشيلي. وإذا كانت تكلفة إنشاء محطة للطاقة الشمسية التي تنتج 100 ميجا واط سنويا، 140 مليون دولار وتكلفة صيانتها 2 في المائة، بينما عمرها الافتراضي 25 سنة، فإن الدولة تستطيع أن تسترد قيمة تلك المحطة بعد ثماني سنوات. وهكذا، فإن أبرز ما يمكننا اليوم فعله للأجيال القادمة هو بدء مشروع ضخم لبناء منظومة واسعة وكبيرة من محطات الطاقة الشمسية في المملكة، وكما حفر أجدادنا الأرض لاستخراج النفط الذي ننعم بخيره اليوم وبدورهم الريادي في ذلك الحين، فإن واجبنا يحتم علينا أن نقوم بدور ريادي آخر لنستمد الطاقة من الشمس حتى ننعم بها ونستفيد منها حاليا ومستقبلا.
مشاركة :