تراجع اليوان الصيني أمس لأدنى مستوى له في ثلاث سنوات بعدما فاجأ البنك المركزي الصيني الأسواق بتخفيض قيمته بنحو 2 في المائة ليطلق شرارة ما يراه بعض المحللين حرب عملات تلوح في الأفق. ووصف البنك الخطوة بأنها "تخفيض استثنائي" وطرحه كإصلاح في سوق حرة مؤكدة رغبتها في إعطاء السوق دورا متزايدا، غير أن هذا التخفيض الفعلي لقيمة العملة الصينية يهدف على ما يبدو إلى وقف تراجع الصادرات في ثاني أكبر اقتصاد عالمي. ووفقاً لـ "الفرنسية"، فإن المصرف المركزي الصيني يحدد كل يوم سعرا يمكن للرينمينبي أو "عملة الشعب" -الاسم الثاني لليوان- أن يتقلب حوله بهامش 2 في المائة في الاتجاهين. وعلى الرغم من رغبة بكين المعلنة في تحرير سعر عملتها مستقبلا، يبقى سعر صرف اليوان مضبوطا إلى حد كبير، إذ إن البنك المركزي الصيني لا يأخذ في الاعتبار حركة السوق. لكن في قرار مفاجئ خفض البنك المركزي الصيني سعر العملة أمس إلى 6.2298 يوان للدولار الواحد مقابل 6.1162 يوان أول أمس، وهذا الخفض المفاجئ بنسبة تقارب 1.9 في المائة هو الأكبر منذ 2005 ومنذ إنهاء ارتباط اليوان بالدولار. ونتيجة لذلك بلغ سعر الدولار ظهر أمس 6.3030 مقابل 6.2096 يوان عند إغلاق أول أمس، لكن البنك المركزي حرص على ألا يتحدث عن "خفض قيمة" العملة، بل أشار إلى "طريقة جديدة" في احتساب السعر الأساسي. وأكد أنه سيعتمد "بالكامل" على العرض والطلب في سوق أسعار الصرف وأسعار إغلاق اليوم السابق وتقلبات أسعار العملات الرئيسية من أجل أن يعكس بدقة أكبر القيمة الحقيقية لليوان. وفي الواقع بقيت العملة الصينية على ثبات كبير في الأشهر الأربعة الأخيرة وبقيت تقلباتها ضمن هامش وصل بالكاد إلى 0.4 في المائة. وقالت وانج تاو المحللة لدى مجموعة "يو بي إس"، "إن الخط البياني لليوان يشبه خطا مستقيما"، مضيفة أن "قوى السوق تدفع اليوان إلى الانخفاض باستمرار مع تباطؤ النمو الصيني وارتفاع سعر الدولار تحسبا لتشديد في سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي". أما ليو دونجمين المحلل الاقتصادي في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية فقد رأى أن تبدل موقف المصرف المركزي الصيني يشكل إشارة إيجابية للانضمام إلى حقوق السحب الخاصة، وهي وحدة الحساب في صندوق النقد الدولي. وتسعى بكين التي تشجع بشكل نشط تدويلا متزايدا للرينمينبي، لإدراجه في سلة العملات المرجعية لصندوق النقد الدولي، لكن الهيئة المالية الدولية حذرت الأسبوع الماضي من أنه ما زال هناك عمل كبير يجب إنجازه. وأكد الصندوق أن إحدى النقاط الرئيسية لمراجعة تشكيلة حقوق السحب الخاصة في تشرين الثاني (نوفمبر) ستكون تحديد ما إذا كان اليوان عملة قابلة للاستخدام بحرية أم لا. ويأتي إعلان البنك المركزي الصيني بعد أيام فقط على نشر أرقام سيئة، فقد أعلنت الجمارك الصينية أن الفائض التجاري للصين تراجع بنسبة 10 في المائة على مدى عام في تموز (يوليو) الماضي ليبلغ نحو 263 مليار يوان (43.1 مليار دولار) ما يعزز القلق على ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وأضافت الجمارك أن الصادرات انخفضت 8.9 في المائة بالوتيرة السنوية إلى 1.19 ترليون يوان بينما انخفضت الواردات بنسبة 8.6 في المائة إلى 930.2 مليار يوان. وتشكل الصادرات جزءا أساسيا من النمو الاقتصادي للصين بينما يدل تراجع الواردات على ضعف الطلب الداخلي. وقال محللون "إن ارتفاع سعر اليوان الذي يجعل الصادرات أكثر تكلفة، أضر بمبيعات البلاد في الخارج"، فيما تؤكد بكين نفسها أن ارتفاع سعر اليوان مقابل الدولار في السنوات الأخيرة يؤثر بشدة في القطاع التجاري الصيني، لذلك فإن أي خفض سيعود بالفائدة على الصادرات. لكن تشين هوانمي الأستاذ في الجامعة المالية في شنغهاي أكد أن هذه الخطوة التي قام بها "المركزي الصيني" يمكن أن تستقبل بفتور من قبل واشنطن التي تتهم بكين بأنها تحدد سعرا لعملتها دون قيمتها الفعلية. وتتهم الولايات المتحدة الصين بافتعال خفض سعر عملتها لتحفيز مبادلاتها التجارية، لكنها لا تتهمها صراحة بالتلاعب بسعر العملة. وأوضح توم أورليك المحلل الاقتصادي في مكتب بلومبرج للمعلومات أن خفضا بنسبة 1 في المائة لسعر الصرف الحقيقي للعملة الصينية يمكن أن يحفز نمو صادرات البلاد بنقطة مئوية واحدة. لكن تراجعا طويلا لسعر اليوان قد يسرع من تدفق الرساميل إلى خارج الصين من قبل المستثمرين الذين يخشون انهيار قيمة موجوداتهم باليوان. ويعزز أي تراجع في سعر العملة الصينية بشكل آلي أسعار المواد الأولية المسعرة بالدولار للواردات الصينية، ما يمكن أن يؤثر في الطلب ويضر بالأسواق العالمية حيث يتعثر الذهب والمعادن الصناعية اليوم. وتأثرت المواد الأولية أمس من خفض سعر اليوان، فقد تراجع سعر النفط وتضررت أسعار المعادن الصناعية التي تستهلك الصين 40 إلى 50 في المائة من إنتاجها العالمي. ويعتقد دانيال شوجرمان المحلل المالي من مجموعة "اي تي إكس كابيتال" أن قرار خفض سعر اليوان سيؤثر سلبا في الأمد القصير على أسواق المواد الأولية. وأوضح شوجرمان أن يوان ضعيف يجعل هذه المواد الأولية أكثر تكلفة على المشترين، مشيراً إلى أن "عملة صينية أضعف" يمكن أن تدعم صادرات البلاد، لكنه يضعف أيضا قدرتها على استيراد المواد الأولية مثل النفط. وحذر وانج تاو من أنه من غير المرجح أن تسمح الحكومة للسوق بتحديد سعر اليوان بمفردها لأن هذا يمكن أن يهز الاستقرار. وأضاف أن "مراجعة حقوق السحب الخاصة شيء، لكن تجنب حالات عدم الاستقرار وهرب رؤوس الأموال سيكون رهانا أكثر أهمية".
مشاركة :