المقاهي إن اتسعت أو ضاقت فهي الأرحب للأصدقاء الذين يجدون فيها متنفسًا بعيدًا عن ضجيج المنازل، لكن قلما تجد مقهى يحمل بين جنباته تاريخ منطقة كاملة، حيث تشعر خلال جلوسك فيه أنك تكتشف أسرار الماضي وتتعرف على حياة السابقين، فقد حققت بذلك متعة الترفيه عن النفس واكتسبت معرفة التاريخ، وإذا أردت أن تعيش تلك التجربة فعليك بالذهاب مرة واحدة إلى مقهى السيد الواقع شرقًا من مدينة الهفوف وبالقرب من عين الخدود المشهورة، فتجده قابع بين نخيل الأحساء الباسقة وحوله عيونها المتدفقة.معلم بارزفقد تحول مقهى “السيد الشعبي”، إلى مكان بارز يجتذب زوار محافظة الأحساء، القادمين إليها من أقطار الخليج المجاورة، وبقية مناطق المملكة، وكذلك الوفود الرسمية الزائرة من الدول العربية والأجنبية.ويعتبر المقهى أحد أبرز المقاهي في الأحساء، مقدمًا حكاية شعبية من تراثها، حيث الاستمتاع بأكلاته الشعبية، ومقتنياته الأثرية، والتقاط صور تذكارية بين معالمه، والتعرف على التراث الأحسائي القديم.تصميم يدويوصمم المقهى بوسائل يدوية قديمة على أكثر من 12 ألف قطعة أثرية، وأشغال يدوية مصنوعة “بحرفية عالية”، من نحاسيات، وفخاريات كانت تستخدم قديمًا في الحياة اليومية، مثل الجرار، والمساخن، والحافظات، والحصير، والسفرة، والمنسف، الذي كان يستخدم سابقًا لتنظيف الحبوب من الشوائب. كما يحوي المقهى أنواعًا كثيرة من الدلال والمرشات والسقا، والأواني النحاسية والفخارية، والميزان المعدني الذي كان يستخدم لوزن الثلج، وآخر كان يعرف بـ”ميزان الأرزاق”، الذي كان يستخدم لوزن الحبوب، وكذلك بنادق قديمة كانت تستخدم في الحروب والصيد. سجل التاريخوتتوزع على جدران المقهى صور فوتوغرافية، تظهر فيها مواقع قديمة، مثل سوق الخميس في الهفوف، وعيون مشهورة في الأحساء، وخُصصت غرفة في المقهى للتعرف على بعض المقتنيات الأثرية في الأحساء، وألبومات من الصور لبعض الحرف اليدوية، والزخارف والنقوشات الأحسائية التراثية، إذ تم فرشها بالحصير المصنوع من سعف النخيل، كما يوجد بها موقد للنار، لصناعة القهوة والشاي.أكلات شعبيةويقدم المقهى الشعبي لزائريه ومُرتاديه كُل وسائل الراحة والأطعمة المختلفة، حيث هناك المطعم الشعبي الذي يقدم الكثير من الأكلات الأحسائية المشهورة بها منذ القِدم وأيضًا بعض الوجبات الخفيفة مثل البليلة والباجلا ، والسندويتشات - إضافة إلى ذلك كله تجد التراث والموروث الشعبي والأصالة والماضي والذكريات في المقهى الشعبي يجتمع الصغير والكبير والمتقاعدين من الأعمال.ذكريات الماضيقال جعفر عبدالله المحمد أحد رواد المقهى:”يعتبر المقهى الشعبي واحدا من الأماكن السياحية التراثية في المحافظة بل أصبح من معالمها الكثيرة ففي هذا المكان تهيج بالإنسان ذكريات الزمن الماضي حيث يرى الأصالة والتراث والموروث من أدوات وآلات وأجهزة قديمة وحتى بعض الأكلات الشعبية القديمة التي تكاد تندثر ففي هذا المكان يستعيد الإنسان شيئًا من الماضي”.أرشيف الزمانفي حين يرى عبدالمنعم بن علي الحسين أن المقهى يمثل أرشيف ومرجع للإنسان فهي ليست مجرد قهوة فترى فيها الماضي بعيون الحاضر وتجسد أصالة الإنسان الأحسائي وتمسكه بماضيه وارتباطه به كثيرًا وغرس ذلك في نفوس الناشئة حيث يجدون ماضي آبائهم وأجدادهم هناك وكذلك تعلقهم به، إضافة إلى ذلك كله فهو مقهى لتناول القهوة والشاي والعصيرات الطازجة بأنواعها مثل الليمون والرمان والعنب الحساوي.الترويح عن النفسأما عبدالله عيسى عبدالله، فذكر أن المكان للترويح عن النفس بعد بعد عناء العمل، فتجد الكثير يأتي إلى هنا في ظل هذه الأجواء الطيبة والعليلة وهي فرصة أن يلتقي ببعض زملائه وأصدقائه ويتجاذب معهم أطراف الحديث وإعادة الذكريات خاصة وأنك تعيش في قلب الماضي، وترى الجميع يتجولون داخل أرجاء المقهى وهم في غاية السعادة.مراجعة النفسويرى أحمد حسين العباد فيه مكانا مناسبا للرَّاحة والاسترخاء وإعادة الحسابات ومراجعة النفس خاصة وأنك تعيش في أجواء رائعة تساعد على ذلك، فتجد الجميع يتذكر ويتأمل في كل ماحوله من أدوات وأجهزة ومستلزمات البيت القديم.وبين أنها أصبحت مهوى للجميع فالحضور كبير خاصة في فترة العصر والمساء، قائلا:”هذا الحضور يُجسِد حُب وتمسك الأحسائيين بماضيهم الأصيل والتليد، والمقهى يحفظ التراث والأصالة من الإندراس والاندثار.وأكد يوسف جاسم الأحمد أن المقهى يحظى بحضور جيد من أهالي الأحساء ومن خارجها لتوافر كل المتطلبات والمستلزمات التي تجعل من الإنسان يعيش حالة من المتعة والراحة في ظل الأجواء الجميلة.
مشاركة :