غسل الأموال ومحاولة إضفاء الشرعية عليها

  • 11/3/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم تعد جريمة غسل الأموال مقتصرة على مرتكبيها فحسب، بل اتسع مجالها بانضمام طائفة جديدة من المجرمين تؤدي خدمات جليلة إلى مرتكبي هذه الجريمة، تضم في طياتها محامين ومحاسبين ورجال أعمال وغيرهم، تشترك مع مرتكبي هذه الجريمة لمحاولة إضفاء الشرعية على تلك الأموال بما لهم من خبرة في المجال القانوني والاقتصادي، حيث يسيل لعابهم، ويبيعون ضمائرهم نظراً للأرباح الطائلة التي يتحصلون عليها من حجم الأموال التي يستطيعون غسلها. ومردّ ذلك أن جوهر عمليات غسل الأموال يرتكز على قطع الصلة بين الأموال المتحصلة عن أنشطة غير مشروعة، وبين أصلها ومصدرها غير المشروع، حتى تبدو تلك الأموال وكأنها نتيجة نشاط قانوني مشروع، وبالتالي فإن الهدف الأساس من غسل الأموال هو إضفاء وإسباغ الشرعية على تلك الأموال، وبذلك يؤدي نجاح هذه العمليات إلى إعادة تدوير هذه الأموال وإدماج متحصلاتها في الاقتصاد الوطني، دون خشية المطاردة أو الملاحقة القانونية، ودون أن تتعرض هذه الأموال للمصادرة. ولما كانت جريمة غسل الأموال يتم ارتكابها من قبل أشخاص، سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أم اعتباريين، بات من الضروري استخدام النصوص القانونية لملاحقة هذا النشاط الإجرامي المنظم ومعاقبة مرتكبيه من شركاء أو فاعلين، عن طريق اختراق شبكات الجريمة المنظمة بتشريع جزائي موضوعي وإجرائي لا يستطيع أن يفلت منه أحد، وعليـه فإن العقوبات التي تمثل جزاءات جنائية ضد مرتكبي هذه الجريمة وما يرتبط بها من جرائم أخرى، تتنوع إلى عقوبات أصلية سواء أكانت عقوبات سالبة للحرية أو كانت عقوبات مالية، فضلاً عن العقوبات التكميلية والتبعية، وكذا التدابير الاحترازية التي يتم اتخاذها لمواجهة الخطورة الإجرامية لمرتكبي هذا النوع من الجرائم. ومن الملاحظ تعدد العقوبات التي تضمنها نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/31 وتاريخ 11 /5 /1433هـ، حيث قرر النظام مجموعة من العقوبات الجزائية، حين اعتمد العقوبات السالبة للحرية إضافة إلى الغرامة والمصادرة، وكذا عقوبات أخرى، فضلًا عن حالات الإعفاء من العقوبة عند توافرها. أما بالنسبة للعقوبات السالبة للحرية، وهي من العقوبات الأصلية التي تحرم المحكوم عليه من التمتع بحريته لأجل معلوم وهي عقوبة السجن، حيث نجد أن المادة (18) من النظام المذكور تقضي بأن يعاقب مرتكب هذه الجريمة بعقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، كما تُشدد العقوبة لمدة لا تزيد على خمس عشرة سنة وفقًا للمادة (19) إذا اقترنت جريمة غسل الأموال ببعض الحالات كأن ترتكب من خلال عصابة منظمة، أو أن يستخدم الجاني خلالها العنف أو الأسلحة، أو كان الجاني يشغل وظيفة عامة واتصلت الجريمة بوظيفته، أو ارتكبها مستغلاً سلطاته ونفوذه. وأما الغرامة المالية فقد قضت المادة (18) بغرامة لا تزيد على خمسة ملايين ريال، في حين قضت المادة (19) بغرامة مالية لا تزيد على سبعة ملايين ريال، ويلاحظ أن النظام لم يضع حداً أدنى للغرامة وإنما وضع لها حداً أقصى. بحيث تتسع سلطة القاضي التقديرية في الحكم بالحد الأدنى للغرامة بينما تضيق في حالة الحكم بالحد الأقصى، حيث لا يجوز له أن يزيد على ما قرره النظام، كما يلاحظ أيضاً أن للقاضي سلطة تقديرية في القضاء بالسجن والغرامة معاً أو بإحداهما، وأما المصادرة فقد نصت المادة (18) سالفة الذكر بمصادرة الأموال والمتحصلات من الجريمة ،أو بما يعادل قيمتها إذا اختلطت بأموال مشروعة، وهكذا قرر نظام مكافحة غسل الأموال عقوبات رادعة، وضيّق الخناق وأحكم قبضته على مرتكبيها.محامي ومستشار قانوني

مشاركة :