لا خلاف على الحرفية المهنية في تقرير ديوان الرقابة المالية وعلى الجهد المشكور الذي بذل في إعداده وحرص القائمين عليه بأن يكون بجودة عالية وشاملا لكل الوزارات والهيئات الحكومية. كما لا نختلف على أن في هذا التقرير تقدماً وتطوراً تجاه معالجة الكثير من المخالفات التي ذكرتها التقارير السابقة، والتي ذهب البعض في وصفها بالفساد الإداري والمالي، إلا أن الأمر المقلق والمحير هو أن المشكلة التي تميزت بها التقارير السابقة لا تزال قائمة ومن دون حل جذري. ففي هذا التقرير العديد من المخالفات والتجاوزات المالية المتكررة التي قامت بها الوزارات والجهات الرسمية، حيث إن طبيعة ونوع التجاوزات التي جاء بها التقرير السابع عشر هي متكررة وبعض الجهات الرسمية توسعت في مخالفاتها، ومع تكرار هذه المخالفات نكرر قولنا بأن تقرير ديوان الرقابة المالية الغزير بالمعلومات والبيانات سيقدم للسلطة التشريعية كما هو في المرات السابقة لإبداء الرأي، وسوف نشاهد المناقشة الحادة والتنديد وفي نهاية الأمر سيتم حفظه في مكتبة النواب ليبقى مرجعاً مهماً للباحثين، وهكذا ننتظر سنة لنعيد القول والحديث إلى أن يتم بمشيئة قادر منع كل التجاوزات والمخالفات واحترام القانون من قبل جميع الجهات المعنية، وخاصة تلك المخالفات التي بطبيعتها تعد إهدارا للمال العام.من خلال قراءة الجزء البسيط الذي نشرته الصحافة المحلية من التقرير يمكن القول بأن محتوى التقرير وبياناته لا تعكس الوضع المالي والاقتصادي الصعب الذي تمر به مملكة البحرين، فهناك سياسة تقشفية مالية حادة تنتهجها الدولة بينما التقرير يكشف عن هدر مالي واسع مازال مستمرا، وكأن الوزارات والجهات الحكومية لا تؤمن بسياسة التقشف التي أصبحت العنوان الأبرز في السياسة المالية خلال السنوات الخمس الماضية.فعلى سبيل المثال يكشف لنا التقرير أن وزارات وجهات حكومية تقوم بالاقتراض المباشر من المصارف المحلية بقيمة 1.8 مليار دينار من دون إدراجها في رصيد الدين العام، تحت أي عنوان يدرج هذا الاقتراض؟ المؤكد أنه أكثر من تجاوزات.ويكشف لنا التقرير أيضا أن المساعدات الاجتماعية لا تتوقف بموت الفرد، حيث تم صرف مبالغ المساعدات لأفراد متوفين نظراً إلى عدم تحديث بيانات وفاتهم في نظام الهيئة، حيث بلغ عدد الحالات التي تم صرف المساعدات لهم بعد تاريخ الوفاة حوالي 639 حالة للدعم المالي و113 حالة للضمان الاجتماعي و613 حالة للتعويض عن اللحوم و69 حالة لمخصص الإعاقة. ويطالعنا التقرير بأن وزارة التربية والتعليم صرفت علاوة سكن لبعض المدرسات غير البحرينيات رغم توفير سكن لهن، كما قامت هذه الوزارة بصرف علاوة انتقال لبعض الموظفين على الرغم من قيامها بتوفير وسائل النقل لهم. كل هذه التجاوزات تعتبر إهدارا للمال العام وللمال حرمة. إن لضمان تنفيذ القانون ومنع تكرار ما تسمى بالتجاوزات يجب أن يكون القانون مثل الموت لا يستثني أحدًا.
مشاركة :