تحتضن المملكة 868 مصيدة حجرية تعود إلى حقبة قديمة من الألف السابع قبل الميلاد إلى الفترة التاريخية القريبة، وثقها مشروع قلوبال كايتس، إذ تزخر مناطق المملكة بعدد كبير من المنشآت الحجرية التي تعد أحد عناصر المعالم الأثرية المهمة التي تمثل جانبا علميا ومعرفيا مهما للحضارات التي شهدتها أرض المملكة خلال الحقب الزمنية المختلفة.وتعددت التكهنات التي تفسر الغرض الوظيفي من المنشآت الحجرية، فعلماء رأوها مقابر، وآخرون رأوا أنها استخدمت لمعرفة الاتجاهات الجغرافية ودلالات لطرق القوافل. وهناك من رأى أنها استخدمت كمصائد صحراوية، أو أسوار لحيازات زراعية أو سكانية أو محاجر حيوانية. ولم تترك وزارة الثقافة ممثلة في هيئة التراث الباب مواربا بهذا الخصوص وأولته أهمية قصوى من خلال دراسة المنشآت الحجرية المكتشفة والبحث والتنقيب عن اكتشافات جديدة من خلال البعثات الأجنبية والمحلية. وعملت على صون هذه المكتشفات وحافظت عليها باعتبارها متاحف طبيعية تسلط الضوء على تاريخ الأمم الغابرة التي استوطنت الجزيرة العربية.شواهد معماريةوتعد المنشآت الحجرية شواهد معمارية لمبان متعددة الأشكال والوظائف والفترات الزمنية، تم رصد أغلبها من خلال صور الأقمار الصناعية، وهي منتشرة في أنحاء المملكة، وخاصة في الحرات البركانية، وبالقرب من الواحات والمراكز الحضارية القديمة، وتتشكل هذه المنشآت في مجموعات تمتد لعشرات الكيلومترات.رحلة البحثويعود تاريخ الاهتمام بهذه المنشآت الحجرية إلى القرن التاسع عشر وما قبله، حيث وصفت في التراث الإسلامي كدلالات على الطرق والمواقع الجغرافية. واستمر الاهتمام بها من خلال ملاحظات وتدوين الطيارين البريطانيين بعد الحرب العالمية الأولى، وكذلك الرحالة جون فيلبي، وفي الخمسينيات والستينيات الميلادية من خلال البعثات الأجنبية، ومع بداية السبعينيات الميلادية وحتى نهاية التسعينيات تمت العناية بها من خلال المسوحات الشاملة في المملكة. وفي مطلع الألفية منحت دارة الملك عبدالعزيز هذه المنشآت الحجرية مساحة واسعة من الاهتمام بتعاونها مع علماء الآثار في المملكة والعالم الأسترالي ديفيد كينيدي الذي أمضى 10 سنوات في البحث حول المنشآت الحجرية في الصحراء السعودية.مدافن أثريةوتختلف أنواع هذه المنشآت الحجرية وتتعدد لتصل إلى 6 أنواع بحسب تصنيف علماء الآثار، يأتي أولها «المدافن» التي تنتمي لفترة ما قبل الإسلام وغالبيتها تعود إلى العصر البرونزي، وتتنوع أشكالها وفق الفترة الزمنية والمنطقة الجغرافية والثقافة، فمنها المدافن التي تأتي بدون ملحقات كالركامية، والركامية متعددة المصاطب، والرجومية، والبرجية، والتلال، وأخرى مع ملحقاتها كالمسيجات والمثلثات والمستطيلات والمسننات والمفاتيح. وتعود المدافن إلى العصر الحجري الحديث، والعصر البرونزي، والعصر الحديدي، وفترة العصر الكلاسيكي والروماني، وتتميز بتشكيلاتها الهندسية المتنوعة، ومن الأمثلة عليها المنشأة الحجرية التي اكتشفت بالقرب من عقيلة المشعان بسكاكا، وأيضا المكتشفة في منطقة الجوف.مصائد حجريةويسمى النوع الثاني من المنشآت الحجرية بــ»المصائد» وتتكون من جزأين: جدران طويلة، ومنخفضة، حيث تتلاقى هذه الجدران إلى شكل حاوي ويسمى الرأس، وغالبا ما تتشكل على هيئة دائرة محفوفة بدوائر صغيرة عبارة عن حفر، ويمتد بعض جدرانها إلى أكثر من 5 كيلومترات، في حين يتجاوز قطر الرأس أحيانا 100 متر. وتنتشر هذه المصائد الحجرية من اليمن جنوبا إلى أرمينيا شمالا ووسط آسيا.دوائر ويطلق على النوع الثالث من المنشآت الحجرية «الدوائر الحجرية»، وذلك بناء على شكلها الدائري أو شبه الدائري، وتأتي بأشكال متنوعة: مجموعات معقدة، دوائر بدون تقسيمات داخلية، دوائر بتقسيمات داخلية، دوائر معقدة، وقد اختلف على الغرض الوظيفي لها، وتنتشر هذه الدوائر الحجرية في جميع أنحاء المملكة، وتعود لفترات زمنية مختلفة بحسب الغرض منها.أبواب وجدرانويسمى النوع الرابع بالمستطيلات «أو البوابات» وهي على شكل مستطيل يتجاوز بعضها نصف كيلو متر ويعتقد أنها أماكن لممارسة طقوس اجتماعية أو دينية. وتنتشر هذه المنشآت الحجرية في حرة خيبر وشمال شرقها إلى شمال مدينة حائل، وتعود إلى العصر الحجري الحديث.أما النوع الخامس فهي «الجدران الممتدة» وهي جدران حجرية مرصوفة من قمة الجبل إلى السفح وعلى الأراضي المستوية، ولم تثبت حتى الآن استخداماتها إلا أن الأرجح أنها كانت تستخدم كمدافن أو أسوار، وتنتشر في مناطق مختلفة من المملكة، ولا تزال الفترة الزمنية لهذه الاكتشافات مجهولة.أعمدة منصوبةوسادس المنشآت الحجرية «الأعمدة المنصوبة»، ويرجح علماء الآثار أنها منصوبة بفعل البشر في فترة زمنية تعود إلى ما قبل الميلاد بآلاف السنين، وتختلف أشكالها كالأحجار المنصوبة الممتدة، والمنصوبة المتقابلة، والأحجار الثلاثية. ورجح العلماء دون جزم أن تكون مدافن لأقوام بادت، ويرى آخرون أنها رموز ذات دلالات فلكية أو نوائح.عمق تاريخيتعد هذه المنشآت الحجرية بأنواعها المختلفة مؤشرات مهمة للعمق التاريخي الذي تتمتع به أرض المملكة، ومدى التطور الحضاري للأمم المتعاقبة التي عاشت في المنطقة، ما يجعلها وثائق أثرية طبيعية تكشف الماضي وتفسر الحياة السابقة بما تتضمنه من سلوك وثقافة وعادات وتقاليد، خاصة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية التي يعتقد أن المنشآت الحجرية صممت من أجلها.
مشاركة :