قاد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الحزب الجمهوري لإعادة تحديد مبادئه الاقتصادية بشكل لم يكن يتوقعه كثيرون. وبحسب "الفرنسية"، حلت السياسات الحمائية محل التجارة الحرة، كما تضخم حجم المديونية الوطنية وتراجع الاهتمام بتحقيق توازن في الميزانية الأمريكية، فيما وصفه خبراء بأنه تغيير في العقيدة الاقتصادية قد يصمد حتى في حال خسر ترمب الانتخابات الرئاسية، التي تشهدها الولايات المتحدة اليوم. وقال إدوارد ألدن أحد كبار أعضاء مجلس العلاقات الخارجية، إن "الحزب الجمهوري لن يعود إلى ما كان عليه قبلا"، مضيفا "ثمة ارتباك واسع على صعيد العقيدة الحزبية التي يشوبها غموض كبير حاليا". وستخضع هذه الرؤية الاقتصادية لتصويت الناخبين خلال الاستحقاق الرئاسي الذي يسعى ترمب خلاله للفوز بولاية ثانية بمواجهة منافسه الديمقراطي جو بايدن. كذلك، يمكن أن يشكل فوز الديمقراطيين بعدد كبير من مقاعد مجلس الشيوخ مقدمة لانتزاعهم السيطرة على هذا المجلس في الكونجرس من الجمهوريين. لكن بصرف النظر عن الحزب الذي سيسيطر على البيت الأبيض والكونجرس بعد انتهاء المعركة، فإن السياسة الاقتصادية، التي أرساها ترمب مرشحة للاستمرار، وفق إسوار براساد، أستاذ السياسة التجارية في جامعة كورنيل. وقال براساد "يبدو أن الحزب الجمهوري أبرم مع ترمب ما يشبه عقدا، إذ تخلى عن بعض مبادئه الاقتصادية الأساسية من أجل دفع أجندته الاجتماعية قدما إلى جانب خفض الضرائب ورفع القيود وإمالة النظام القضائي يمينا". وأضاف "مهما كانت نتيجة الانتخابات المقبلة، فقد غير ترمب جوهر الحزب الجمهوري ونبرته بطرق سيستغرق تغييرها وقتا طويلا". قبل انتخاب ترمب عام 2016، كان الحزب الجمهوري يولي أهمية خاصة بالتجارة الحرة، لكن إدارة ترمب فرضت رسوما على استيراد بضائع بمئات مليارات الدولارات إلى الولايات المتحدة، خصوصا من الصين وأوروبا. وكان تحقيق توازن في الميزانية الأمريكية الضخمة المثقلة بالديون نقطة خلافية أخرى داخل الحزب الجمهوري، لكن ترمب أرجأ المهلة المحددة لبلوغ هذا المسار خمسة أعوام إضافية حتى 2035 ووافق على تخصيص ثلاثة آلاف مليار دولار كمساعدة لدعم الاقتصاد لمواجهة تبعات جائحة كوفيد - 19. وبعدما استخدم الجمهوريون المخاوف بشأن حجم المديونية الأمريكية لإحباط طموحات سلفه الديمقراطي باراك أوباما، أوضح ترمب في عام 2019 أن لجم الديون لم يعد أولوية، متحدثا عن تحسين في النفقات العسكرية. وقال ترمب في البيت الأبيض "إذا لم يكن لدينا جيش قوي، فلا داعي للقلق بشأن الديون، إذ ستكون لدينا مشكلات أكبر". لكن ترمب لم يفكر دوما بهذه الطريقة. فهو كتب عبر تويتر عام 2013 "لا أصدق أن الجمهوريين يوسعون سقف الديون، أنا جمهوري وأشعر بالحرج!"، وذلك في خضم معركة بين الجمهوريين في الكونجرس وباراك أوباما حيال رفع سقف المبلغ، الذي يمكن للولايات المتحدة، أكبر اقتصاد عالمي، أن تقترضه. في العام المالي المنتهي في 30 أيلول (سبتمبر) من العام الجاري، بلغ عجز الميزانية الأمريكية 3.1 تريليون دولار، أي أكثر من ضعف ذروته السابقة. لكن في عام 2012، غرد ترمب عبر تويتر قائلا "العجز خلال عهد باراك أوباما هو الأعلى في تاريخ أمريكا. لماذا يعمل على إفلاس بلدنا؟". نجح ترمب في الوصول إلى البيت الأبيض بدعم، خصوصا من الناخبين البيض من الطبقة العاملة المحبطين من سياسات واشنطن، وغير عناصر من السياسة الأمريكية لاعتماد نهج أكثر شعبوية. وقال جيفري جيرتز الخبير في معهد "بروكينجز" إن ترمب، وعلى عكس الجمهوريين من قبله، لم يهاجم شبكة الأمان الاجتماعي في الولايات المتحدة، كما أن كثيرا من تعليقاته الأكثر تشددا لم تتحول في نهاية المطاف إلى سياسات رسمية. ومع ذلك، فقد حاول ترمب التأثير على التعاملات التجارية الخاصة بدرجة كبيرة. وقال جيرتز إن رفضه التجارة الحرة "هو في الحقيقة التجلي الأوضح للتباعد بين ترمب وسياسات الجمهوريين". وتطرق ترمب إلى هذا التباعد، وكتب عبر "تويتر" هذا الشهر "أنا لا أبدو كسياسي عادي في واشنطن لأني لست سياسيا". لكن وراء هذه السياسات الشعبوية، استنفد "الحزب الجمهوري أفكاره"، وفق ألدن الذي قال "إلى أن يتمكنوا من صياغة أفكار جديدة، أظن أن الجمهوريين سيبقون في موقع رد الفعل دائما. إذا كان الديمقراطيون في السلطة، فإن الجمهوريين سيكونون دائما بالمرصاد ضد كل ما يفعله الديمقراطيون". وعلى الصعيد الصناعي في الولايات المتحدة، تسارع نشاط قطاع الصناعات التحويلية في تشرين الأول (أكتوبر)، وقفزت الطلبيات الجديدة إلى أعلى مستوى في نحو 17 عاما وسط تحول في الإنفاق نحو سلع مثل السيارات، بينما تستمر جائحة كوفيد - 19. وقال معهد إدارة التوريدات أمس، إن مؤشره لنشاط المصانع في البلاد ارتفع إلى 59.3 الشهر الماضي. وتلك هي أعلى قراءة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 وتأتي بعد قراءة بلغت 55.4 في أيلول (سبتمبر). وكان خبراء اقتصاديون استطلعت "رويترز" آراءهم قد توقعوا أن يرتفع مؤشر قطاع الصناعات التحويلية، الذي يشكل 11.3 في المائة من الاقتصاد الأمريكي، إلى 55.8 في تشرين الأول (أكتوبر). وقفز المؤشر الفرعي للطلبيات الجديدة إلى 67.9 الشهر الماضي، وهي أعلى قراءة منذ كانون الثاني (يناير) 2004، من 60.2 في أيلول (سبتمبر). وبفضل هذه الطفرة في الطلبيات نما التوظيف في قطاع الصناعات التحويلية للمرة الأولى منذ تموز (يوليو) 2019. إلى ذلك، ارتفع الإنفاق على التشييد في الولايات المتحدة بأقل من المتوقع في أيلول (سبتمبر)، إذ غطى هبوط في الإنفاق على المشاريع العامة على بعض مكاسب الاستثمار في مشاريع القطاع الخاص. وقالت وزارة التجارة الأمريكية، أمس، إن الإنفاق على التشييد زاد 0.3 في المائة في أيلول (سبتمبر). وعدلت الوزارة البيانات لشهر آب (أغسطس) بالخفض لتظهر أن الإنفاق ارتفع 0.8 في المائة بدلا من 1.4 في المائة في تقريرها السابق. وكان خبراء اقتصاديون استطلعت "رويترز" آراءهم قد توقعوا أن يرتفع الإنفاق على التشييد في أكبر اقتصاد في العالم 1 في المائة في أيلول (سبتمبر). وعلى أساس سنوي صعد الإنفاق على التشييد 1.5 في المائة. وزاد الإنفاق على مشاريع التشييد الخاصة 0.9 في المائة، في حين انخفض الإنفاق على المشاريع 1.7 في المائة في أيلول (سبتمبر).
مشاركة :