كيف نجحت الصين بتسخير التكنولوجيا الرقمية في خدمة القطاع الصحي

  • 11/3/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بكين 3 نوفمبر 2020 (شينخوانت) عندما هاجم فيروس كورونا المستجد مدينة ووهان وبدأ يستفحل في الانتشار، نظر العالم أجمع للصين نظرة شفقة؛ وظنوا ان هذا الفيروس اللعين سيفتك بالأمة الصينية ويقوض دعائمها؛ ولم يدروا ان الصين بلد يدرس الازمات السابقة ويستجر منها العبر، بل ويحضر خططا كبيرة تستوعب الكوارث القادمة. وهذا ما حصل؛ فمع توسع رقعة انتشار الفيروس كان لابد من تطبيق الأنظمة الصحية الصارمة؛ فبدأ الأمر بحجر الاحياء وتطور شيئا فشيئا لحجر المدن والقرى، ومن ثم منع الحركة نحو المقاطعات الأكثر إصابة، صحيح ان الكثير من المواطنين الصينيين والأجانب المقيمين شعروا بالضيق من هذه الإجراءات، التي أحدت من حرية الحركة؛ لكن وبعد سريان مفعول تلك الإجراءات لفترات محددة، تم التحكم بانتشار الفيروس، فشعروا بالامتنان والشكر للحكومة الصينية واجراءاتها الحاسمة التي ضمنت سلامتهم. وفي ضوء ما حصل؛ قدمت الصين للعالم دروسا عظيمة في ادارة الكوارث؛ حيث كانت الإجراءات النافذة مرتبطة بشبكة الأمان الصحي الصينية التي اقتضت ادخال التكنولوجيا الرقمية والتطبيقات الهاتفية عبر برمجيات محددة موصولة بالكاميرات الحرارية التي تم تثبيتها ووضعها على أبواب المجمعات والمولات التجارية والأسواق المفتوحة والمغلقة وعلى أبواب المشافي واقسامها وفي سيارات الإسعاف ونقل الركاب والمطاعم والحدائق والكثير من الأماكن العامة؛ وقامت الجهات المختصة بربط كل هذه الكاميرات سلكيا ولاسلكيا بشبكات رصد ونقل البيانات الى غرف مراقبة صحية الكترونية ارتبط معظمها بتطبيق يسمى ب:"الحقيبة الصحية"؛ فبكل بساطة عندما تدخل الى أي من تلك الأماكن المذكورة يتم مسح الباركود الخاص به عبر تطبيق "الويشات"؛ لتظهر حالتك على هذا التطبيق (بالخضر او بالحمر)؛ فلو كنت قد دخلت سابقا الى مكان آخر وتم مسح الباركود وكانت به إصابة واحدة سيظهر اللون الأحمر على التطبيق وسيعرف الحارس الصحي الموجود على الباب بحالتك وبالتالي يجب ان تحال الى الحجر الصحي لحماية نفسك وحماية الاخرين، أما اذا كان اللون أخضر فهذا يعني أن كل الأماكن التي مررت بها سابقا وتم تسجيل دخولك اليها هي أماكن سليمة لم تسجل بها إصابات وسيصدر هذا التطبيق صوتا يقول: "تهونغ غووه" أي عبرت أو مررت. حتما لم تتوقف الإجراءات الرقابية الصحية عند هذا الحد؛ بل ان التكنولوجيا الرقمية دخلت في متابعة حالة المسافرين والمحجورين صحيا عبر نظام الرقابة الصحية في أماكن الحجر؛ ومراقبة درجات حرارتهم ووضعهم النفسي أيضا إلى ان تتم فترات انتهائهم من الحجر المفروض عليهم وعمل اختبار (PCR) الذي يثبت خلوهم من الفيروس او اصابتهم به. هذه الطفرة الكبيرة باستخدام تكنولوجيا الاتصالات (4G+5G) كلف الصين ملايين من كاميرات المراقبة والأجهزة الحاسوبية الملحقية بها وملايين أخرى من أجهزة قياس الحرارة سواء اليدوية منها او الثابتة واطنانا من المعقمات وعددا كبيرا من الكمامات تم تقديره بأكثر من 20 مليار كمامة تم تصنيعها وبيعها داخل الصين إما للوقاية من الفيروس او للأغراض الطبية والتجارية. أما بالنسبة لدور الملاهي ومقاهي الشاي والقهوة والمطاعم والنوادي الخاصة والعامة والصالات الرياضية والمسابح فقد تم اغلاقها بالكامل خلال الفترات الاولى التي ازدادت فيها حدة الانتشار؛ لتعاود الصين الان فتحها بشكل تدريجي ومدروس مع اخذ قضية التباعد الاجتماعي بعين الاعتبار. القضية تبدو من حيث المبدأ بسيطة وتعتمد على عدة تجهيزات رقمية وحواسيب وكبلات اتصال وشرائح الكترونية؛ لكن عملية تطبيقها على ارض الواقع في رقعة جغرافية واسعة كبلد كبير مثل الصين احتاجت لمئات الآلاف من الكوادر البشرية المؤهلة من العاملين في الحقل الطبي وإدارة الكوارث ولجان الاحياء؛ ولو قلنا أن الصين قد نجحت في مهمة الحفاظ على العنصر البشري من الهجوم العنيف لكورونا؛ لكان لزاما علينا أن نشكر كل تلك الكوادر مجتمعة؛ لأن عملوا متكاتفين على الحفاظ على بقاء كل بيت وبناء وحارة وحي وشارع نظيفا ومعافى؛ بل وانهم تعرضوا في كثير من الأحيان لإصابات بالغة كلفت في بعض الاوقات حياتهم. والآن؛ إذا ما سألت أي مواطن صيني: هل أنت ممتن أم تضايقت من تلك الإجراءات الصارمة التي قامت بها حكومتك في ظل أزمة فيروس كورونا؟ لكانت اجابته بالمطلق "نعم أنا ممتن وفخور ببلدي وحكومتي التي التمست منها حب شعبها وخدمته والحفاظ عليه"؛ بل إنني التمست من كل صيني قابلته ازدياد ثقته بحكومته وقراراتها؛ وبالتالي ازدياد محبته لبلده وافتخاره بها. بعد تعافي معظم المدن الصينية من فيروس كورونا، أخذ الصينيون درسا عظيما من تلك الازمة وباتوا على تماس أكبر مع الحضارة الرقمية أكثر من أي وقت مضى؛ بل وأعطوا للعالم خبرات تعتبر بمكنوناتها دروسا عملية وليس مجرد نظريات كلامية. بالمختصر؛ الصين تسير بخطى ثابتة عبر الطرق المتحضرة من العلم والمعرفة وتسخير أحدث النظريات العلمية في خدمة الجنس البشري والحفاظ عليه سليما سعيدا.

مشاركة :