علي الرغم من معرفتنا بالخلفية التاريخية لمجازر البوسنة والهرسك التي وقعت في تسعينيات القرن الماضي، وأبيد خلالها نحو 30 ألف من مسلمي البوسنة (البوشناق)، إلا أن المخرجة البوسنية ياسميلا زبانيتش تركز في فيلمها الجديد "إلي أين تذهبين يا عايدة"، الفائز بجائزتي نجمة الجونة الذهبية لأفضل فيلم وأفضل ممثلة بمهرجان الجونة السينمائي في نسخته الرابعة، علي أهوال مذبحة "سربرنيتسا" وجوانبها الإنسانية القاسية التي ترويها من خلال أعين بطلتها عايدة.عايدة، مدرسة لغة إنجليزية، يتم توظيفها للعمل كمترجمة لصالح كتبية عسكرية هولندية تابعة للأمم المتحدة تتمركز على أطراف مدينتها، التي تم اقتحامها من قبل قوات مجرم الحرب راتكو ملاديتش، ليفر سكانها البالغ عددهم نحو 30 ألف مدني إلي تلك القاعدة للاحتماء داخلها.لسوء الحظ، لا تتسع القاعدة سوي لنحو 5 آلاف شخص فقط؛ أما الباقون، والبالغ عددهم 25 الف يقفون عراه عزل في الخارج محاصرين بين سياج القاعدة وأسلحة ميليشيات ملاديتش التي تفتك بلا رحمة.في خضم هذه الأحداث، تجري عايدة مجموعة محاولات مستميتة لإنقاذ عائلتها المحتجزة في الخارج. بعد أن تنجح في إدخالهم القاعدة مستغلة حيلة ما، تعتقد الأم أن القوات الهولندية ستوفر لهم الحماية والأمان، ولكن عندما تبدأ الأمور في الإنهيار يتخاذل قادة الكتيبة مع الجنرال المهووس بتجميل صورته أمام الإعلام طوال الوقت، ويقومون بتسليم المدنيين إلي ايدي ذلك السفاح الذي ترسل ميليشياته النساء بعيدا عن الرجال، حيث لا ينتظرهم سوي مصير واحد الاغتصاب والإبادة.يتصاعد توتر الأحداث بهدوء وبطء، لكن زبانيتش تضعنا طيلة الوقت تحت ضغط قاسي ومرعب وغير متوقع لما سوف يحدث مع أننا علي علم مسبق بما ستنتهي عنده الأحداث، وفقا للسياق التاريخي للمجزرة، لكننا نظل متعلقين بثياب عايدة مقتنعين بأن هذه السيدة ستجد طريقة لإنقاذ عائلتها، علي الرغم من أن كل الأدلة تشير إلي عكس ذلك، فلا عجب أن تتعرض عايدة للخذلان من جميع الأطراف، رؤسائها الذين تفانت في عملها معهم باخلاص أو تلميذ صفها الذي شاب رجلا وبات يشير السلاح في وجهها.تحافظ زبانيتش علي إنسانية الشخصيات، وتكشف بصدق كيف تتشكل مشاعرنا حينما نساق إلي نهايتنا المحتومة. تحفر برعب داخل عمق ذاكرتها لتذكرنا بواحد من اسوأ الكوابيس البشرية الذي يأبي العقل أن يمحوه.
مشاركة :