من المفترض ألا يُشكل أكتوبر الماضي، الذي أثبت أنه شهر صعب لأسواق الأسهم الأميركية، مفاجأة بالنسبة للمستثمرين المحنكين الذين لا يزالون يتذكرون بعض الأشهر الصعبة تماماً في الماضي. لكن الأمر الملحوظ هذه المرة يتلخص في أن التحركات التي تهدف عادة إلى تخفيف المخاطر أو تعويض بعض الانخفاضات التي تشهدها أسواق الأسهم كانت كذلك في صفوف الخاسرين، كما يقول المستشار الاقتصادي في شركة «أليانز» العالمية «محمد العريان» خلال رؤية تحليلية. ومن شأن فهم السبب أن يوضح بعض التحديات الصعبة التي تواجه المستثمرين في سوق مشوه إلى حد كبير بفعل تدخل البنك المركزي لفترة طويلة، مع حقيقة أنه يتعامل حالياً مع الأساسيات الاقتصادية الضعيفة وتأخر دعم السياسة المالية. نظرة على الأرقام - تراجع مؤشر «S&P 500» بنحو 2.8 في المئة خلال أكتوبر، ليكون الهبوط الشهري الثاني على التوالي، مما تسبب في محو معظم مكاسب المؤشر الأوسع نطاقاً إلى حد كبير هذا العام. - أدى التراجع الشهري لمؤشر «داو جونز» والبالغ 4.6 في المئة إلى رفع خسائره منذ بداية العام وحتى نهاية أكتوبر إلى 7 في المئة. - خسر مؤشر «ناسداك»، صاحب الأداء المتفوق بين الثلاثة مؤشرات الأميركية، نحو 2.3 في المئة من قيمته في الشهر الماضي، مما تسبب في تقليص مكاسبه في غضون أول عشرة أشهر من العام إلى 22 في المئة. - ترجم اتساع منحنى العائد لسندات الحكومة الأميركية إلى خسائر بالنسبة لاستثمارات الدخل الثابت التي تعتبر أكثر تخفيفاً للمخاطر. - بالنسبة للذهب، وهو الأصل البديل الذي اكتسب شعبية أكبر أخيراً، لم يشهد ارتفاعاً ملحوظاً، إذ إن سعر المعدن النفيس لم يتغير كثيراً خلال أكتوبر. انهيار العلاقات التاريخية ولم يكن هذا الانهيار الصارخ في العلاقات التاريخية، بين ما كان يعتبر بمنزلة أصول محفوفة بالمخاطر من الناحية التقليدية وبين الأصول التي ينظر إليها على أنها تخفف المخاطر، بمنزلة أمر جديد. وفي الواقع، استفاد المستثمرون كثيراً في الآونة الأخيرة من الفترات التي شهدت ارتفاع أسعار كل من الأسهم والسندات في نفس الوقت، لكن الأمر يكون أكثر وضوحاً عندما يتراجع كلاهما معاً. كما أن هذا الأداء يعد بمنزلة تذكرة بأن الأمر لم يعد استثماراً في اتجاه واحد فحسب، خصوصاً في الأسواق التي تعرضت للتشويه بشدة بفعل تدخلات البنوك المركزية. وشهد شهر أكتوبر مجموعة من التطورات التي أضعفت ما كان يمثل قدرة قوية باستمرار على ضخ السيولة الوفيرة والمتوقعة للتعويض عن كافة أنواع عدم اليقين. وفي حين أن الانهيار في هذه المعادلة قد يرجع جزئياً إلى المشاكل المتعلقة بالانتخابات، فإن السبب الحقيقي يتمثل في فقدان الاقتصاد العالمي للزخم إضافة إلى فشل الجمهوريين والديمقراطيين المستمر في الاتفاق على حزمة مالية جديدة. ومن المرجح أن يشهد شهر نوفمبر المزيد من التحديات على كلا الصعيدين، تعافي الاقتصاد العالمي والمساعدات المالية الرامية لدعم الاقتصاد الأميركي في مواجهة تداعيات أزمة «كوفيد-19». ويُعد إعلان يوم السبت بشأن فرض تدابير إغلاق لمدة شهر واحد في إنكلترا مؤشراً آخر على الصعوبات التي تواجهها معظم دول أوروبا من أجل تحقيق التوازن بين الصحة العامة والاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية - ناهيك عن الحرية الشخصية - أثناء فترة الوباء. وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي تعاني الولايات المتحدة قفزة في حالات الإصابة بالفيروس، ولن يستغرق الأمر سوى أسابيع حتى يتطور الوضع لارتفاع معدلات دخول المستشفيات والوفيات كما هو الحال في أوروبا. وسيكون العديد من الولايات الأميركية أقل استعداداً من الحكومات الأوروبية لفرض تدابير الإغلاق، لكن يُفترض أن نتوقع حدوث تباطؤ ملحوظ في نشاط القطاع الخاص، إذ تتخذ الأسر والشركات المزيد من الخطوات الاحترازية من تلقاء نفسها. ولا يوجد سوى احتمال ضئيل بأن الحزمة المالية سيتم تمريرها في غضون الشهرين القادمين لتعويض خسائر الدخل الناتجة عن تراجع الأنشطة الاقتصادية. وسيظهر اجتماع بنك الاحتياطي الفدرالي هذا الأسبوع، ما إذا كان أكبر بنك مركزي في العالم، مستعداً - على غرار المركزي الأوروبي - لإعادة تحديد موقف سياسته لمواجهة توقعات الاقتصاد والسوق الأكثر صعوبة. ويأمل المستثمرون أن يؤكد صناع السياسة في المركزي الأميركي مجددًا أن «ضمانة» قوية وجديرة بالثقة من الفيدرالي لإنقاذ الأسواق. ويتساءل خبراء الاقتصاد ما إذا كانت أيّ تدابير أخرى لتيسير السياسة النقدية ستحدث أيّ تأثير بخلاف توسيع الانفصال الكبير الواقع بالفعل بين «وول ستريت» التي تحقق أرباحاً، وبين «مين ستريت» المتعثرة، والتي تضم الأسر والشركات والاقتصاد بشكل عام، وتفاقم عدم المساواة في (الدخل والثروة والفرص). * ماذا يعني كل هذا للمستثمرين؟ إذن؛ ماذا يعني كل هذا بالنسبة للمستثمرين؟ الأمر الأكثر أهمية أنه يُسلط الضوء على أهمية الاعتراف بأننا نعمل في أسواق مشوهة جداً يعتمد مسارها التصاعدي على العقيدة الجماعية لدى المستثمرين بأن موقف السياسة النقدية التيسيري بالفعل سيواجه الرياح العكسية. وهذه حقيقة أدت إلى تآكل فاعلية التنويع التقليدي في المحفظة الاستثمارية، الذي يشير إليه كثيرون على أنه مزيج استثماري من الأسهم والسندات باستراتيجية 60/40، بحيث تحتوي المحفظة على 60 في المئة من الأسهم فيما يكون الباقي سندات. وفيما يتعلق بتخفيف المخاطر، يوجد أمام المستثمرين عدد قليل من الخيارات في ظل غياب استعداد الفدرالي للاستهداف الصريح للعائد على السندات. وتضم هذه الخيارات المحدودة أمام المستثمرين حيازة السيولة النقدية بشكل مباشر أو السندات ذات آجال الاستحقاق القريب جداً.
مشاركة :