زيارة أوباما لإفريقيا.. هروب إلى الأمام

  • 8/13/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في الرابع والعشرين من يوليو الماضي استهل الرئيس الأمريكي باراك أوباما زيارة رسمية إلى القارة الإفريقية ، حل خلالها ضيفاً على كينيا وإثيوبيا ، في زيارة هي الأولى له لأرض أجداده منذ توليه الرئاسة ، والأولى أيضاً بالنسبة لأي رئيس أمريكي في السلطة إلى إثيوبيا منذ تدشين العلاقات بين الدولتين عام1903. وقد أثارت هذه الزيارة الكثير من التساؤلات بشأن دوافعها، وتوقيتها، وأسباب اختيار الدولتين المضيفتين، والملفات المطروحة للنقاش، ونتائجها المحتملة ، في ظل تراث سابق من الوعود الأمريكية التي لا تجد سبيلاً للتحقق على الأرض الإفريقية. حظيت القارة الإفريقية بثلاث زيارات سابقة للرئيس أوباما ، كان أولها عام 2009، عندما تحدث إلى العالم الإسلامي من مصر، بلد الأزهر الشريف، ثم خاطب الأفارقة من برلمان غانا ، بينما شملت الجولة الثانية السنغال وتنزانيا وجنوب إفريقيا في أكتوبر 2013، قبل أن يعود إلى جنوب إفريقيا مجدداً لحضور مراسم تأبين نيلسون مانديلا في ديسمبر 2013. وبالنسبة لدوافع وتوقيت الزيارة الحالية، فهي تأتي رداً على انتقادات الدول والشعوب الإفريقية لإدارة أوباما بأنه لم يقدم شيئاً للأفارقة ، وأنه كان أكثر انشغالاً بمتابعة التحولات الجارية في القارة الآسيوية. كما تزامنت الزيارة مع تنامي المعارضة الداخلية ضد سياسات أوباما إزاء قضايا أوكرانيا والشرق الأوسط ، وتزايد انتقادات اللوبي اليهودي لإبرام الاتفاق النووي مع إيران. فضلاً عن كونها محاولة لموازنة النفوذ الصيني المتنامي في شرق إفريقيا ، بعدما تجاوز حجم التجارة بين الصين وإفريقيا ثلاثة أمثال نظيره الأمريكي. إضافة إلى مشاركة الرئيس الأمريكي في أعمال الدورة الخامسة للقمة العالمية لريادة الأعمال، والتي تعقد للمرة الأولى على الأراضي الإفريقية، بعدما تم إسناد تنظيمها إلى كينيا. ويعود اختيار الإدارة الأمريكية لكينيا وإثيوبيا إلى أن الدولتين هما أهم حلفاء الولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب في القرن الإفريقي، حيث تشارك الدولتان ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال أميصوم، فضلاً عن دورهما في تسوية الصراعات الإقليمية، إذ استضافت كينيا مفاوضات تسوية الصراع في جنوب السودان، بدءاً من ماشاكوس حتى نيفاشا. فيما تستضيف إثيوبيا مفاوضات تسوية القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان، ومفاوضات تسوية الحرب الأهلية في جنوب السودان. كما تتمركز قواتها في منطقة أبيي الحدودية بين السودان وجنوب السودان. كما حققت الدولتان تقدماً ملحوظاً على صعيد الأداء الاقتصادي ، فأصبحت كينيا واحدة من أهم الاقتصادات في شرقي القارة، بما تملكه من قطاع خاص متميز، وطبقة وسطى متعلمة، وهو ما جعلها مقراً للعديد من الشركات العالمية والمنظمات الاقتصادية الدولية والإقليمية. كما تخلصت إثيوبيا من براثن الجفاف والفقر لتنضم إلى مصاف الدول ذات النمو الاقتصادي المرتفع ، الذي يصل أحياناً إلى 10% سنوياً، فضلاً عن كونها دولة المقر للاتحاد الإفريقي، الذي يتطلع أوباما لاستثمار منبره في توجيه العديد من الرسائل إلى القارة السمراء. في هذا السياق، تأهبت الدولتان لاستقبال أوباما، وسط احتياطات أمنية غير مسبوقة، فسعت كينيا إلى استثمار الزيارة في تعزيز شرعية نظامها الحاكم ، بعدما كانت واشنطن تعارض ترشح أوهورو كينياتا للرئاسة، إضافة إلى تحسين أوضاعها الاقتصادية، التي تأزمت نتيجة لتراجع دخل القطاع السياحي بنسبة 25% إثر الضربات الموجعة لحركة الشباب الصومالية، وأبرزها الهجوم على جامعة غاريسا في إبريل 2015. فضلاً عن مسعاها لجذب الاستثمارات الأمريكية، خاصة في قطاع النفط ، بما يؤهلها لكي تكون أول دولة تصدر النفط في شرق إفريقيا بحلول العام 2016. غطاء سياسي وبالمثل تسعى إثيوبيا إلى استثمار هذه الزيارة في تأكيد دورها كقوة فاعلة حليفة لواشنطن في مكافحة الإرهاب في القرن الإفريقي، وتوفير غطاء سياسي ، يدعم مركزها التفاوضي مع مصر بالنسبة لقضية سد النهضة، بما يمكنها من جذب التمويل اللازم لاستكمال بناء السد. أما جدول أعمال الزيارة ، فقد تصدرته قضايا الإرهاب، والتعاون الاقتصادي. وشمل أيضاً قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، والصراعات الإفريقية، وذلك عبر محادثات رسمية لأوباما مع الرئيس الكيني، ورئيس الوزراء الإثيوبي، ولقاءات بممثلي تنظيمات المجتمع المدني ورجال الأعمال، وحوار مفتوح استضافته قاعة نيلسون مانديلا بمقر الاتحاد الإفريقي. كما تخلله لقاء عائلي جمع الابن الذي طال انتظاره بجذوره الإفريقية على مأدبة عشاء ، مصحوبة بأغاني التراث الكيني، فيما يعيد للأذهان زيارة جون كيندي التاريخية لوطنه الأم إيرلندا. وحرص الرئيس الأمريكي على توجيه رسائل واضحة في الموضوعات محل النقاش، فأكد اعتزازه بجذوره الإفريقية، وهو ما بدا من المفردات التي وردت بالسواحلية عبر كلماته، ومشاركته في رقصة ليبالا الشعبية. كما أكد حرص واشنطن على مواصلة الحرب ضد الإرهاب، وتقديم الدعم اللازم لكينيا وإثيوبيا في مواجهة حركة الشباب الصومالية، حتى تستقر الأوضاع في الصومال. دعا أوباما أيضاً إلى وضع حد للحرب في جنوب السودان، ملوحاً بإمكان فرض حظر على تصدير السلاح ضدها ، في حال تجاوز المهلة المحددة للوصول إلى تسوية تفاوضيه للصراع بحلول 17 أغسطس الجاري. والمفارقة هنا تمثلت في انضمام الرئيس الأوغندي ووزير الخارجية السوداني ومسؤولي الاتحاد الإفريقي إلى المحادثات ، بينما لم توجه الدعوة إلى أطراف الصراع أنفسهم، وهو ما يفسر بضجر الرئيس الأمريكي نتيجة لجمود مفاوضات تسوية الصراع. على الصعيد الاقتصادي، أكد أوباما حرصه على تنفيذ مبادرة باور أفريكا، لتنمية قطاع الطاقة في إفريقيا، وحتمية القضاء على الفساد، الذي يؤثر بالسلب في المبادلات التجارية، وفرص جذب الاستثمارات الأجنبية، والنمو الاقتصادي. خلود السلطة وبالنسبة لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، طالب أوباما بتأكيد سيادة القانون، منتقداً تمسك الرؤساء الأفارقة بالخلود في السلطة. ودعا أوباما أيضاً إلى التخلص من تأثير الاعتبارات القبلية في الحياة السياسية. وانتقد قمع المعارضة والتمييز ضد التنظيمات والجماعات الإثنية بذريعة محاربة الإرهاب. وطالب بضرورة تحسين أوضاع المرأة في إفريقيا، والاهتمام بتعليمها. وبالرغم من أن هذه الزيارة وفرت مخرجاً للإدارة الأمريكية في الهروب إلى الأمام، وتخفيف الضغط عن كاهل أوباما، بعد تزايد ضغوط المعارضة الداخلية، إلا أنها أثارت انتقادات منظمات حقوق الإنسان، باعتبارها تمثل دعماً لأنظمة مستبدة تملك سجلات مشينة تتعلق بقضايا حقوق الإنسان. لذا كان النظامان الحاكمان في كينيا وإثيوبيا هما الرابح الأكبر من هذه الزيارة ، حيث إنها أسبغت عليهما قدراً كبيراً من الشرعية كانا في أمسّ الحاجة إليه. لكن تبقى الكثير ، رغم تيمنهم بإطلاق اسم أوباما على مواليدهم ، في ظل إصرار الإدارة الأمريكية على التعامل مع القارة من منطق إمبراطوري، يختزل الاهتمام بها في قضايا الأمن والهيمنة على موارد ، خاصة النفط، دون استعداد للتدخل المباشر في صراعاتها، وتفضيل الاعتماد على الوكلاء المحليين، مثلما يحدث حالياً في الصومال . كما تخلت واشنطن عن دعم الاقتصادات الإفريقية، بذريعة تطبيق قانون النمو والفرص ، الذي ينطلق من شعار التجارة بدلاً من المعونات، وهو القانون الذي تم تجديده لعشرة أعوام قادمة، بالرغم من معاناة إفريقيا في ظله من نقص تدفقات رؤوس الأموال الواردة إليها، وتدني قيمة الصادرات الأمريكية إلى إفريقيا جنوب الصحراء، والتي تكاد توازي الصادرات الأمريكية للبرازيل وحدها. يضاف إلى ذلك اعتياد أوباما إطلاق الوعود ثم التنصل منها ، فهو لم يقدم الدعم المتوقع لمبادرة المشاركة الجديدة لتنمية إفريقيا نيباد. كما تراجع عن تعهداته للأفارقة أمام البرلمان في غانا، فكيف يمكنه تحقيق ما أخفق فيه سابقاً بعدما فقد نفوذه داخل الكونغرس، خاصة أنه يوشك على مغادرة البيت الأبيض بعد أن أضحى على أعتاب العام الأخير لولايته الرئاسية. وبالتالي من المرجح أن الأفارقة لن يجنوا شيئاً من هذه الزيارة سوى قبض الريح. ٭مدرّس العلوم السياسية معهد البحوث والدراسات الإفريقية جامعة القاهرة

مشاركة :