تطابقاً مع الإجماع الوطني العام في رفض التدخلات الإيرانية أو أية تدخلات خارجية في شئون مملكة البحرين، وتأكيدًا على التوافق المطلق في الحفاظ على سيادة واستقلال وعروبة البلاد، تصدرت طروحات ندوة «التدخلات الإيرانية الرسمية في الشئون الداخلية لمملكة البحرين... الدلائل والمؤشرات» لتؤكد الثوابت الأصيلة للسياسة البحرينية في احترام استقرار وشئون كل الدول. موقف وطني جامع وإجمالًا، جاءت أوراق عمل ومداخلات الندوة التي استضافها مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (دراسات) صباح أمس الأربعاء (12 أغسطس/ آب 2015) بقاعة اجتماعات المركز لترصد مؤشرات التدخل بشكل علمي، وتطرح معالجة دقيقة لأسباب تصاعد الخطاب الإيراني في الفترة الأخيرة ضد البحرين ودول الخليج العربي. وكان من اللافت مشاركة رئيس هيئة الأركان اللواء الركن الشيخ دعيج بن سلمان آل خليفة الذي صاغ مداخلة موجزة أكد فيها عدة نقاط منها اجماع أهل البحرين بكل أطيافهم على عروبة وسيادة البلاد، ورفض جميع أشكال التدخل في شئونها الداخلية، بالإضافة إلى تأكيده أهمية ما طرحته الندوة من معلومات مهمة كمسئولية كبيرة على عاتق مركز «دراسات» تلزم إيضاح الصورة الحقيقية وخصوصًا في الوقت الذي يشهد متغيرات متلاحقة في المنطقة، مثنيًا على قوة النسيج الوطني في صد كل أشكال التآمر ومحاولات خلق شرخ في الوحدة الوطنية. تصاعد الخطاب الإيراني وفي كلمته، أجاب المدير التنفيذي لمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة خالد الرويحي على تساؤل لافت وهو: «لماذا تصاعد مستوى خطاب مؤسسات الحكم في إيران ضد مملكة البحرين وبعض دول مجلس التعاون؟»، لكنه تناول بدقة أنواع التدخلات الرسمية وتعدد مستوياتها وأسلوب تبادل أدوارها، رابطًا كل ذلك بتناقض وتداخل مؤسسات الحكم في إيران ومن يحكمها. وفي هذا الصدد، أشار إلى أنه من أجل فهم الأسباب الخفية وراء تصاعد مستوى الخطاب الإيراني ضد البحرين ودول مجلس التعاون، لابد من أن نبدأ من النهاية، قاصدًا بذلك الاتفاق الإيراني مع مجموعة 5+1 بخصوص الملف النووي، وهو الاتفاق الذي أثار جدلًا كبيرًا في العالم كله وانقسم المحللون بصدده إلى قسمين: الأول يرى أن الاتفاق هو (ضد إيران)، فيما القسم الثاني يرى أنه (مع إيران) مضيفًا: «نحن نعتقد أن الاتفاق ضد إيران، وهذا ما تحاول الادارة الاميركية وبعض الدول الغربية المشاركة في الاتفاق ايصاله إلى دول مجلس التعاون، ونحن نريد أن نناقش القضية من منظور استراتيجي أصيل، فإذا كان الاتفاق ضد مصلحة إيران، لماذا وقعت عليه بموافقة المرشد الأعلى؟ وهنا نخلص إلى أن المرشد هو الذي يقول نعم أو لا وليس رئيس الجمهورية، فلماذا وافق المرشد مادام الاتفاق ضد مصلحة النظام الإيراني؟»، وأجاب الرويحي بالقول: «السبب الأكيد أن الاتفاق النووي هو الحل الأخير الذي يخرج إيران من مأزق الإرهاب الذي جلب لها الويلات». إما الزوال وإما البقاء وزاد الرويحي بقوله إن من الأسباب الخفية، تلك التي تتعلق بفشل النظام الإيراني في تحقيق الهيمنة الاقليمية عبر مشروع تصدير الثورة، فلم تنجح إيران في تحقيق الهيمنة لكنها نجحت في إحداث بلبلة في المنطقة وهز استقرار بعض الدول، لكن لم تتمكن من بسط هيمنتها، ثم لابد من النظر إلى سبب مهم للغاية وهو قرار «عاصفة الحزم» الحاسم لقادة دول مجلس التعاون، علاوةً على وصول النظام الإيراني إلى منعطف تاريخي خطير: إما الزوال وإما البقاء ضمن شروط، وهذه هي الأسباب التي التي دعت إيران للتوقيع على الاتفاق النووي. واستشهد الرويحي بكتاب «القوة الناعمة... وسيلة النجاح في السياسة الدولية» لمؤلفه جوزيف ناي الذي شرح فيه تحقيق الأمن القومي عن طريق نظرية الاستقرار بالهيمنة، وقد فشل تحقيق حلم الثورة، فإيران تمارس الحكم من خلال قائد ونظم متقدمة جدًا وليست عشوائية، ومن خلال خبراء متقدمين في أفكارهم وهم الذين يصدرون الأفكار، وقد استفادوا من نظرية القوة الناعمة، والتوجه لامتلاك قوة ثقافية واجتماعية جاذبة لبسط الهيمنة، وبذلك، تحول النظام الإيراني من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة من خلال فترة الأربعة والثلاثين سنة الماضية، مع أن القوة الصلبة استطاعت انشاء ميليشيات مسلحة ومؤدلجة عقائديًا في لبنان، سورية، الكويت، اليمن، فلسطين، السعودية، البحرين، واستخدمت لذلك، على سبيل المثال، إنشاء 75 قناة فضائية إيرانية ناطقة باللغة العربية وقنوات تعمل على مدى 24 ساعة. 15 مليون إيراني تحت خط الفقر وتطرق الرويحي إلى أن من أسباب توقيع الاتفاق النووي، هيكلية القيادة المتقنة والأداء العالي لقوات مجلس التعاون في عملية عاصفة الحزم، والتي تمثلت في المحافظة على سرية العمليات ودقة التنسيق بين قوات التحالف والقدرة العالية على القيادة المشتركة وتوظيف منظومة متقدمة من المعلومات والنجاح في حشد الدعم العالمي. وكنظرة على الأوضاع الداخلية في إيران، تحدث الرويحي عن أن هناك 15 مليار دولار تنفقها إيران سنويا على التسليح العسكري، مع سوء الأوضاع الداخلية في المجتمع الإيراني في ظل سياسات نظام العمائم، فقد بلغ عدد حالات الإعداد 743 شخصًا في العام 2014، ومن يناير/ كانون الثاني إلى يوليو/ تموز من العام الجاري 2015، تم اعدام 694 شخصًا، أضف إلى ذلك ما أشار إليه النائب في البرلمان الإيراني موسى ثروتي من أن هناك 15 مليون مواطن إيراني يعيشون تحت خط الفقر. دول الخليج تواجه/ لا تواجه دولة ومن جانب آخر، كانت ورقة «التدخلات الإيرانية في الشئون الداخلية لمملكة البحرين: نماذج مختارة» للباحث أشرف كشك استهلها بالإشارة إلى أن دول الخليج العربي لا تواجه دولة، بل تواجه مشروعًا له تمويل وأهداف قائلًا: «إذا أدركنا أبعاد هذا المشروع الحالية والمستقبلية سنرى أن إيران تسعى الى أن تكون القائد الإقليمي»، متطرقًا إلى مادتين في الدستور الإيراني هما (154 - 152)، وفيهما إشارة إلى دعم إيران للمستضعفين في العالم بشكل يتناقض مع عبارة: «ولا تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى». وإشارة أخرى مضمونها الدفاع عن المسلمين في العالم، لتنصب نفسها مدافعة عن المسلمين. تغيير الثوب دون السياسة وأضاف قوله إنه تتبع الخطاب الإيراني منذ العام 1979 واستنتج أن الثورة الإيرانية لم تنته، لكنها مستمرة عبر التحولات الاقليمية، ومشروعها يقوم على ركائز منها جيواستراتيجي ومنها التفوق العسكري وبُعد أيديولوجي حيث ترى إيران ذاتها جزيرة في محيط سني، ولهذا عندما وجدت إيران أن تصدير الثورة مستهجن، لجأت إلى تغيير ثوبها ولباسها دون تغيير سياستها، وشكلت شبكة من العلاقات السياسية رسمية وغير رسمية من ذلك علاقاتها مع دولة الإمارات العربية وسلطنة عمان، ومن ذلك أيضًا دعم القوى الشيعية في المنطقة بحيث تحرك تلك الجماعات في بعض الدول ليكون لها دور فيها. وأطلع كشك الحضور على عملية رصد التصريحات الرسمية، ومنها 97 تصريحًا منها 61 تصريحًا يتعلق بالشئون الداخلية للبحرين، و36 تصريحًا يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي، ومن ذلك أنه خلال السنوات الأربع، تم رصد 7 تصريحات للمرشد الأعلى، ما يشكل تأثيرًا على الشيعة في المنطقة، وتلك التصريحات ليست تسريبات كحال (ويكيليكس)، بل هي على لسان مسئولين من 8 مؤسسات إيرانية وهي منشورة في وسائل الإعلام الإيرانية، ولم نجمعها من الصحف البحرينية أو العربية، بل جمعناها من وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية بل يتم تأكيدها من المصادر الرسمية هناك وليس نفيها، وتخلص إلى استخدام لغة التحريض والتهديد والتدخل في الأزمة البحرينية، وهي تصريحات تقع في صميم السياسة البحرينية، لذلك أقول إن تلك التصريحات جزء لا يتجزأ من استراتيجية إيرانية ضد البحرين والخليج. لمواجهة مشروع إيران ولمواجهة المشروع الإيراني، لخص كشك المسار في تركيز الاهتمام بالداخل الإيراني وتعزيز النفوذ الخليجي وتوحيد السياسات الخليجية تجاه إيران، وأن يكون هناك رصد للخطاب الإيراني يقابله خطاب إعلامي واستراتيجية إعلامية موحدة، بالإضافة إلى تعزيز الوجود الخليجي في دول الجوار فهذا أمر مهم، ولذلك نرى كيف أن تدخل المملكة العربية السعودية في اليمن جاء ليكسر التدخل الإيراني، ولهذا فالمطلوب هو توحيد السياسة الخليجية تجاه إيران، فالتدخلات الإيرانية عمل ممنهج متفق عليه بين مؤسسات الحكم في إيران. وقدم الباحث محمد الهاجري ورقة عمل مطولة ومفصلة عن مؤسسات الحكم في إيران ودورها في صناعة القرار، موجزًا المحور الأهم في أن تنفيذ السياسة الإيرانية ضد البحرين يستمر عمله حتى لو تغير النظام وتغيرت الوجوه، ولفت الهاجري بالقول: «لا تكاد تمر سنة إلا ونجد تصريحات صادرة من رموز النظام الإيراني ضد مملكة البحرين، ما يشكل تدخلًا صارخًا، وهي تصريحات تتنوع بتنوع هذه المؤسسات الرسمية، لكنها كلها تصب في اتجاه هدف واحد يدل على وجود مؤشرات قوية لمشروع من قبل صناع القرار عن رؤيتهم في البحرين». وبعد تساؤلات شملت: «كيف يصنع القرار السياسي في إيران وما هي مؤسسات الحكم الداخلية في صنع القرار؟ ما هو ثقلها؟»، طرح الهاجري معلومات على شاشة العرض عن مؤسسات الحكم الإيرانية وأنظمتها الداخلية وطريقة انتخابها واختيار من يمثلونها والمؤسسات التي تتبعها، ومنها (مؤسسة القائد – مرشد الثورة كما يسمى في الإعلام العربي)، فهو يحتل أعلى الهرم في النظام الإيراني، وأبرز سلطاته القيادة العامة للقوات المسلحة وإعلان الحرب والسلم، وعزل رئيس الجمهورية وإن كان منتخبًا من الشعب، وتعيين السياسات العامة بالتشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام، متسائلًا: «إذا كانت هذه سلطاته فما هي سلطات رئيس الجمهورية؟»، وقدم الهاجري للحضور معلومات عن مجلس تشخيص مصلحة النظام، مجلس الخبراء، مجلس صيانة الدستور، مجلس الشورى والحرس الثوري بهيكلياتها ونظام عملها. وأجمعت الآراء في ختام الندوة على مسار التوافق الوطني الجامع في رفض التدخلات الإيرانية في شئون مملكة البحرين، والعمل على إجراء المزيد من الدراسات ووضع الاستراتيجيات لكل المحاور المهمة كمنهج علمي يهدف إلى قراءة المخاطر من كل الجوانب.
مشاركة :