في لندن، لا بد من مكتبة «الساقي»، إذا طال المقام قليلا وشعرت ببعد عن الكتب العربية الأخيرة. إذا كنت قادما إلى «الساقي» من «ووترستون»، في أي فرع من فروع المدينة، فسوف يكون المشهد مزعجا قليلا. الرواد هنا قلائل. الرواد، في الطوابق الستة من «ووترستون»، كثيرون. القارئ العربي والقارئ غير العربي. تقوم «الساقي» منذ سنوات على همّة مديرها «أمين» وطريقته العراقية في استقبال الناس. وهي طريقة لم تتغير فيه منذ أن جاء المكتبة فتى، واليوم بدأ الشيب يعلن عن طول خبرته بين الكتب. اقترح أمين عليّ مجموعة أعمال أدبية حديثة لسيدات عربيات، منها رواية مليئة بالتجارب والمآسي. أخذت الكتاب وفي نيتي الكتابة عنه. منعتني فيرجينيا وولف عن ذلك: «لا تستعجل. لا تأخذك العاطفة. اقرأ العمل جيدا». فعلتُ. قبل ذاك كنت قد أمضيت أياما وأنا اقرأ مفكرة فيرجينيا وولف، من عام 1918 إلى عام 1941. في العشرينات، تنكب، على وضع «الأمواج». تبدأ بوضع خريطة كاملة، ثم برسم الشخصيات، ثم في تقسيم الفصول. لكنها بعد فترة تكتشف أنه عمل عادي، يتوجب عليها أن تعيد كتابته من جديد. أوائل الثلاثينات كانت لا تزال تكتب وتمحو! لهذا السبب - ناهيك عن الموهبة - أصبحت أهم سيدة في الأدب الإنجليزي في مرحلتها. لهذا السبب لن تصبح المؤلفة العربية التي وضعت هذا العمل الحديث أكثر مما هي الآن. تقرأها كأنك تقرأ صحيفتك اليومية: حدث في صيغة روائية. حدث مهم وصيغة عادية، باهتة، بلا جهد، بلا بحث، بلا إضافة وبلا عناء في الأسلوب. واضح أن السيدة على عجل، والدليل هو هذه النتيجة. وواضح أنها لم تطلب مشورة أحد ولم تعرض العمل على مجموعة قراء وأذواق، وإلا كان واحد منهم على الأقل نبهها إلى أن التجارب الثمينة لا يجوز أن توضع في أغلفة غير ثمينة. خذي وقتك. هذا عمل أدبي، لا صحافي، ولا حدثي. في إمكانك الانتظار، ثم الانتظار، وحتى صرف النظر إذا لم ينتهِ العمل إلى ما يجب أن يكون عليه. لن تصبحي فيرجينيا وولف. لم تعط بريطانيا نفسها فيرجينيا وولف أخرى. ولكن على الروائي أن يأخذ عمله بأقصى ما يمكن من الجد، وإلا سوف تمتلئ المكتبات بأعمال نسائية سريعة باستثناء بعض الأعمال التي فرضت نفسها على بقائيات الأدب العربي المعاصر. من المغامرة أن نسمي، لكي لا نوقع ظلما بأحد. لكن في الإمكان تسمية عشرات الأعمال النسائية السريعة التي مرت في المكتبات دون توفّق ودون أثر. هذا لا يعفي المؤلفين أيضا. تتحدث فيرجينيا وولف عن صديق لها كان عليه أن يكتب ألف كلمة كل يوم. ولم يتبق له وقت لأي حياة أخرى.
مشاركة :