أصبحت سياسة واشنطن والغرب عموما تحيرنا. فتحوا المجال بالأمس القريب، أثناء الحرب العالمية الثانية، لليسار والشيوعيين بالنشاط ليساعدوهم في الحرب ضد النازيين ودعم حليفهم الاتحاد السوفياتي. أدى ذلك إلى انتشار الفكر الماركسي في المنطقة واكتساح الحزب الشيوعي للعراق. فازوا بالحرب وإذا بهم يواجهون خطرا جديدا في الساحة أثناء الحرب الباردة؛ الشيوعية والتوغل السوفياتي. انطلقوا لتشجيع الإسلاميين ضد الشيوعيين والخطر السوفياتي. أمر مفهوم. ولكن العالم الشيوعي انهار الآن ولم تعد الشيوعية تهددهم. فمن هم حلفاؤهم الجدد؟ سعوا إلى تبني الديمقراطية وتشجيع الفكر الليبرالي، سعيا للحصول على أنظمة على النمط الغربي يسهل التعامل معها والتوصل إلى صلح بينها وبين إسرائيل، بما يفضي لتطبيق حلمهم، حلم الشرق الأوسط الجديد. خيب الناخبون العرب الأميون وأنصاف الأميين هذا الأمل بتصويتهم بـ«لا» للأحزاب الليبرالية، كما كانوا يأملون، وإنما للإسلامويين. شيء مرعب! أليس كذلك؟ سارعوا للحوار مع «الإخوان المسلمين» في مصر وحزب الدعوة في العراق، واكتشفوا أن الإسلام السياسي لا يشكل خطرا على الغرب ولا على إسرائيل. غيروا إبرة البوصلة. فأخذوا يتعاونون معهم. وعندما أزيل «الإخوان» من الحكم في مصر، تصور الكثيرون من منطلق التفكير السياسي التقليدي، أن ما حدث كان مؤامرة من الطراز القديم بوحي من الأميركيين وتخطيط الـ«سي آي إيه». غير أنهم صححوا رأيهم هذا عندما وجدوا أن واشنطن تقف بقوة بجانب «الإخوان المسلمين». عجب! عجب! فما السر في هذا التحالف الجديد؟ هل هو حقا تعلقهم بالشرعية والانتخابات كما يشيرون؟ تأملت في الأمر طويلا فلم أجد تفسيرا مرضيا أقتنع به. اعتدنا دوما التفكير بأن كل ما يهم الغرب من الشرق الأوسط هو تجهيزات النفط. ولكن هذا الموضوع لم يعد يقض مضاجع الغربيين الآن، لأسباب كثيرة منها حاجتنا الماسة لبيع النفط لأي كان، وظهور مصادر جديدة للوقود. ما يقض مضاجع الغربيين الآن حقا وعلى سائر المستويات، هو الخوف من الإرهاب وتكرر التفجيرات. أصبحت مقاومة الإرهاب الإسلامجي تكلف الخزينة كثيرا. اهتدت واشنطن إلى هذا الرأي. طالما لم تعد الأنظمة الإسلاموية تهددهم، بل تسعى لكسب ودهم والاعتماد على قروضهم ومساعداتهم، أليس من الأفضل ترضيتهم بإبقائهم في الحكم ودعمهم في مناصبهم الوفيرة، وفي عين الوقت تفادي شرهم؟ سينشغلون بقضايا الحكم وبتخبطهم فيه وبخراب بيوتهم وبحاجتهم للاقتراض من الغرب. حيثما وُجد الإسلامويين انشغلوا بقتل بعضهم البعض وضرب شعوبهم وامتصوا نشاط الجهاديين والجهاديات وأبعدوهم عن الغرب. رأينا كيف تدفق هؤلاء من العواصم الأوروبية إلى سوريا، وكيف هلك المئات منهم في هذه المعتركات وكفوا الغرب من شرورهم. ألم نسمع بأن الأميركان أقنعوا تركيا بالسماح لتنظيمات تابعة لـ«القاعدة» بالعبور إلى سوريا، لا دعما للثورة وإنما لتمزقهم مدافع الأسد. نعم. هذا هو سر هذا الانقلاب الجديد في الاستراتيجية الأميركية. شجعوا الإسلامجية ليبعدوا أذاهم عن الغرب. وماذا بعد من تقلبات؟ يعلم الله ماذا بعد!
مشاركة :