عند الهضاب الغربية لمرتفعات جبل الشيخ في شرق جنوب لبنان، ووسط أحد الأحراج المحاذية للخط الحدودي الفاصل بين لبنان وإسرائيل غرب بلدة شبعا، يجهد الراعي الستيني أحمد زهرة في توجيه قطيعه إلى المراعي الخصبة ، حيث الأشجار الحرجية والحشائش البرية. الراعي زهرة ورث عن والده منذ أكثر من 30عاما منزلا صغيرا إلى جانبه حظيرة ماعز في مزرعة المجيدية جنوب لبنان، ويعيش كما رعاة هذه المنطقة الحدودية في حالة من القلق والخوف على مستقبل مهنته . وأشار زهرة لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأن مهنة رعي الماشية قديمة العهد في المناطق الريفية من جنوب لبنان ، وتعتاش منها نسبة كبيرة من السكان . وأضاف "بدانا منذ عدة سنوات نلمس أن العصر الذهبي لهذه المهنة انتهى، وباتت مهددة بالأندثار لعدة أسباب تبدأ بتراجع انتاجها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد وصولا إلى تحرشات الجيش الإسرائيلي المتصاعدة بالرعاة وقطعانهم". وقال "تضاعفت معاناتنا مع الأرتفاع الجنوني الذي لحق بأسعار العلف الذي نقدمه للقطعان خلال فصل الشتاء بنسبة تجاوزت 80 في المئة نتيجة تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي ، ناهيك عن الكلفة الباهظة في مكافحة الأمراض الموسمية التي تضرب المواشي، وإغراق الأسواق باللحوم المستوردة". من جهته الراعي الخمسيني خضر نبعة قال لـ ((شينخوا)) انه نجا من عدة محاولات إسرائيلية لأعتقاله خلال رعيه الماشية بمحاذاة الخط الحدودي في تلال كفرشوبا في شرق الجنوب ، معبرا عن "الخشية الدائمة من الاعتداءات الإسرائيلية على رعاة الماشية بذرائع أمنية". وأشار إلى أن "الاعتداءات تتكرر بإطلاق النار العشوائي على القطعان وخطف بعضها ،ومحاولات خطف الرعاة وترويعهم والتهديد بقتلهم مما يضع الرعاة في حالة من التوتر والقلق والخوف من المستقبل". وقالت مصادر أمنية لبنانية لـ ((شينخوا)) إنها أحصت خلال الأشهر المنصرمة من العام الحالي 15 محاولة إسرائيلية لخطف رعاة بشرق الجنوب تمكن خلالها الجيش الإسرائيلي من اعتقال 3 رعاة أفرج عنهم لاحقا بعد تدخل قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان "يونيفيل". كما سجلت المصادر قيام الجيش الاسرائيلي بسبع عمليات خطف لقطعان ماشية نقلها إلى مواقعه داخل مزارع شبعا المحتلة، إضافة إلى تسجيل 18 حادثة قامت فيها الدوريات الإسرائيلية بإطلاق النار من أسلحة رشاشة لإرهاب الرعاة، حيث أصيب أحد الرعاة من التابعية السورية بجراح متوسطة وتم خطفه ونقله إلى أحد المستشفيات الاسرائيلية. من جهته قال الراعي حسين ذيب لـ ((شينخوا)) إن الجيش الإسرائيلي أطلق عشرات القذائف الفوسفورية خلال شهر سبتمبر الماضي باتجاه مناطق حرجية شمالي الخط الحدودي ما أدى إلى حرائق كبيرة التهمت مساحات واسعة من الأحراج في منطقة العرقوب مما حرم قطعان الماشية من حوالي 85 في المئة من المراعي الخصبة. بدوره اوضح الراعي السبعيني جلال القاضي لـ ((شينخوا)) انه قبل عقدين كان لديه 400 رأس من الماعز و175 رأسا من الغنم ، أما اليوم فقد انخفض العدد إلى 80 رأس ماعز و14 رأس غنم، لافتا إلى أنه سيبيع القطيع قريبا ليرتاح من "المهنة التي باتت خطرة ومتعبة". أما الشاب العشريني جمال حمدان الذي يرعى الماعز منذ سنوات في وادي الحاصباني فقال "هذه المهنة متعبة ومردودها المادي انخفض بشكل كبير". وأضاف "بدأت التفتيش عن عمل أكثر استقرارا وأقل تعبا وعندها سأتخلى عن قطيعي فورا غير آسف على سنوات قضيتها في البراري متحديا شمس الصيف وبرد الشتاء". وأكد مسؤول مكتب وزارة الزراعة في شرق جنوب لبنان أسماعيل أمين لـ ((شينخوا)) أن أعداد رعاة الماشية ومواشيهم قد انخفضت في المنطقة بحسب إحصائيات التعاونيات الزراعية . وأشار الراعي حليم حمدان من بلدة "الكفير" في الجنوب التي يبلغ تعداد سكانها نحو 4 آلاف نسمة إلى انه كان فيها حوالي 45 شخصا يمارسون مهنة رعي الماشية لكن هذا العدد انخفض تدريجيا بحيث لم يتبق منهم سوى 5 رعاة فقط . وأوضح الراعي حليم لـ ((شينخوا)) أن عدد المواشي في البلدة كان يتجاوز 5 آلاف رأس ماعز وما تبقى لا يتعدى 300 رأس، مشيرا إلى أن "الرعي مهنة صعبة تبعد الفرد عن مجتمعه وتحتاج للقوة الجسدية ، بحيث يقطع الراعي عشرات الكيلومترات خلال رحلاته اليومية في ظل ظروف طبيعية قاسية".
مشاركة :