شريف حتاتة كاتب مصري صاحب تجربة روائية تجمع بين الوثائقي والخيالي، وينحاز إلى سرد أجزاء من سيرته الذاتية داخل رواياته، وهو ما نراه في: العين ذات الجفن المعدني، عمق البحر، قصة حب عصرية، نبض الأشياء الضائعة، عطر البرتقال الأخضر، بالإضافة إلى أعمال أخرى، لكن هذا لم يمنعه من كتابة سيرته الذاتية وعنوانها النوافذ المفتوحة. * دخلت إلى عالم الكتابة متأخراً ما أسباب ذلك؟ كنت منهمكاً في النضال السياسي، وحين بدأت الكتابة كان عمري 43 سنة، وحتى تلك السن، رغم حبي للأدب وقراءاتي المستمرة فيه، لم أكتب إبداعاً، وأول رواية كتبتها جاءت بعد زواجي من نوال السعداوي، التي رأت فيّ فناناً، وأنه بإمكاني كتابة الأدب، وشجعتني حتى أنهيت التجربة الأولى في الكتابة، وكانت الرواية من وحي السنين التي قضيتها متنقلاً من سجن إلى آخر، وتحكي عن جيل من اليساريين، وكيف واجهوا تجربة السجن، واجتازوها، في حين انهار بعضهم. * كثيرون كتبوا أدب السجون ما الذي يجعلك مختلفاً عنهم؟ هذه الرواية، حسبما أعتقد، كانت مختلفة عن أغلب ما كتب في هذا المجال، فأنا لم أكن معنياً بالأحداث الخارجية، إلا في علاقتها بما كنت أسعى إليه أساساً، وهو التنقيب في أعماق الإنسان السجين السياسي، وفي الدوافع الخفية والظاهرة التي تحكم تصرفاته، كنت أبحث عن البطولة في من يرتبطون بقضايا عامة. * من يقرأ أعمالك يلمس كيف تؤثر الخصائص النفسية لك ككاتب فيما تكتب.. لماذا؟ ربما يكون سبب ذلك مزاجي الانطوائي، فأنا قليل الكلام، أميل إلى التأملات الداخلية، وملاحظة ما يدور في داخلي والتفكير فيه، حتى عندما أشارك في الأحداث اليومية، فزيف المجتمع دفعني إلى نوع من الابتعاد، فليست لدي شطارة اجتماعية في خلق علاقات عامة، وأشعر بالاغتراب في كل مكان، وأضيق بذلك أحيانا، لكنني أقول لنفسي ما من سبيل أمامك إلا أن تصبح شخصا آخر، وأردد مع نفسي دائما أن قدري هو الفن، ومن الصدق أن أمارسه في حياتي وفي كتاباتي، ويرتبط بذلك الاغتراب والتمرد، فهناك علاقة وثيقة بين الفن والتمرد، بين الفن والغضب. * ما الحد الفاصل بين الرواية والسيرة الذاتية من وجهة نظرك؟ هذه مسألة تهم النقاد المولعين بالتصنيف، لكنها قضية ثانوية بالنسبة لي، المهم أن تكون السيرة مكتوبة بفن ولغة إبداعية، وهذا ما يدخلها في باب الأدب، فالسيرة رواية حياة، والحياة أكثر ثراء من الخيال، ولذلك تعجز اللغة في التعبير عنها، والسيرة شأنها شأن الرواية تنمحي فيها الفواصل بين الحياة العامة والخاصة، ليصبح الفن والصدق ركيزتي العمل، ويصبح التاريخ والسياسة والاقتصاد والثقافة والفلسفة خيوطاً تمتزج في نسيج واحد، وهذا يحدث في السيرة الذاتية والرواية على حد سواء. * تتناثر سيرتك الذاتية في متن أعمالك.. هل منحك ذلك خصوصية ما عن غيرك؟ اقتحمت مجالات لم يقتحمها غيري في مصر، سعيت أن أحكي بصدق أشياء تتعلق بحياتي العامة والخاصة، بدوافعي والأزمات التي مررت بها، لكن عندما أفكر فيما كتبته أدرك أن ما ظهر فوق السطح، وما استطعت أن أفصح عنه أقل بكثير مما ظل محاطاً بالصمت. * كيف ترى علاقة الكاتب المبدع بالمجتمع انطلاقاً من تجربتك؟ لم أفصل بين ذاتي وبين ما دار ويدور في المجتمع، كنت جزءاً منه، وهو جزء مني، فمن خلال الكتابة عشت رحلة استكشاف موحية للنفس، رحلة استكشاف لحياتي وأسرتي وأصدقائي، ولجوانب كثيرة تتعلق بالسياسة والمجتمع، كان يمكن أن تظل هذه الأشياء محاطة بظلال وأقنعة، وعندما سقطت الظلال والأقنعة أصبحت قادراً على الكتابة عنها، فالتأمل الطويل سلط الضوء على ما كان غامضاً، وفي كل كتاباتي لعبت الذاكرة دوراً خطراً، فالذاكرة هي أصل الإبداع ومنبعه، وهي التي قادتني من حادث إلى آخر، الذاكرة هي التي ربطت بين الأشياء وأعطتها معنى، هي التي أطلقت خيالي، لأن الخيال ينبع من واقع معاش.
مشاركة :