تنتشر على سفوح ولاية جيجل الواقعة على الساحل الشرقي للجزائر محميات طبيعية زاخرة بأنواع النباتات والأشجار وتعج بالحياة البرية، وبها أدغال لم تتسلل إليها أشعة الشمس أبداً ويقال إن بعض القمم لم تطأها قدم إنسان بعد. وتعتبر تازا أشهر وأهم تلك المحميات، تقع داخل منطقة غنية طبيعياً يطلق عليها اسم خليج بجاية واكتشفت عام 1923 وصنفت رسمياً ضمن المناطق المحمية سنة 1984. كانت مساحتها عند الاكتشاف في حدود 230 هكتاراً لكنها توسعت بعد العناية التي حظيت بها لتبلغ اليوم قرابة أربعة آلاف هكتار مكسوة كلها بغابات الصنوبر الحلبي والبلوط والزان والفلين. وتتوسط تازا مرتفعات تسمى جبال قروش ودار الواد ويمتد ساحلها على نحو تسعة كيلومترات وهو ساحل وعر لكنه جميل تلتقي فيه زرقة البحر النظيف والهادئ باخضرار الأشجار المنتشرة فوقه في شكل مظلات عملاقة تعانق السماء وترمي بأطرافها لتداعبها الأمواج. تفطنت السلطات المحلية بجيجل لهذه الخصائص منذ سنوات وشرعت في استغلالها للأغراض السياحية وسطرت من أجل ذلك أهدافاً للحفاظ على مكونات الحظيرة أهمها حماية الأنواع النباتية والحيوانية التي تعيش بها والعمل على مضاعفة طاقة خزانات المياه التي يتوفر عليها باطن الأرض. وينتشر في محمية تازا حسب أحدث التقارير الإحصائية نحو 450 نوعاً نباتياً موجهاً للأغراض العلمية يمثل 14% من التراث النباتي المستخدم لهذا الغرض في الجزائر، وحوالي 55 نوعاً آخر مصنفاً بين النباتات النادرة المهددة بالاختفاء و145 نوعاً من الأعشاب الطبية و25 نوعاً من النباتات التي تستعمل في البستنة التزيينية و20 نوعاً من الأشجار. ويعيش في هذا الوسط الطبيعي 140 نوعاً من الطفيليات وأنواع لا تحصى من النباتات الصالحة للتغذية. وتشير التقارير إلى أن المحمية يعيش بها 16 نوعاً من الثدييات المتوحشة أي ما يعادل 21% من أنواع الثدييات البرية التي تعيش في الجزائر، بعضها معرض للانقراض كالوشق والضبع المخطط والأيل البربري أو غزال الجبال، و110 أنواع من الطيور أبرزها طائر كاسر الجوز الذي ينحدر أصلاً من أوروبا الغربية ثم استوطن المنطقة ولوحظ أن أعداده تكاثرت في السنوات الأخيرة وامتد وجوده إلى كامل المنطقة الجبلية التي تشترك فيها ولايتي جيجل وسطيف التي تقع جنوباً، وتقتات الطيور التي تعيش فيتازا على بذور الأشجار وعلى الأعداد الكبيرة من أنواع الحشرات التي تزخر بها المحمية. واعتبارا لهذا التنوع النباتي والحيواني يرى الكثيرون أن تازا أهم محطات السياحة الطبيعية في الجزائر، ورشحتها كتابات فرنسية وإيطالية وإسبانية وألمانية ودنماركية وأمريكية لتكون قطباً سياحياً مهماً ليس في الجزائر فحسب بل وفي منطقة حوض البحر المتوسط. وهي حتى اليوم عذراء مع أن السلطات وفرت على جوانبها مساحات مخصصة للتوسع السياحي لم تستغل بعد ربما بسبب الوضع الأمني الذي مرت به البلاد في العقد الأخير من القرن الماضي ولا تزال بعض آثاره حتى اليوم. واستناداً إلى تصريحات مسؤولين بولاية جيجل فإن عشرات الآلاف من السياح الجزائريين والأجانب يطلبون دخول محمية تازا للتمتع بمناظرها الطبيعية والاطلاع على الحياة البرية التي تدب فيها، والسياحة هنا لا تنقطع ولا ترتبط بموسم معين.
مشاركة :