على تخوم فكرة التطرف وتفلت الكراهيات ونهاية التاريخ وصراع الحضارات، يتموضع كتاب حوار الحضارات والثقافات.. الحضارات في خدمة الإنسان الذي صدر مؤخراً عن اللجنة المنظمة لمؤتمر حوار الحضارات بدعم من مجلس التنمية الاقتصادي. كتاب كان عنوانه العريض بأن الإنسانية هي الأصل المشترك الذي يجمع البشر جميعًا على اختلاف ألوانهم وأعراقهم ولغاتهم وتوجهاتهم الفكرية والثقافية والدينية والروحية. لكن العالم اصبح على سطح بركان عنيف، يهدد بالانفجار والهلاك، كما آلت الحضارة الغربية إلى حالة من الأنانية المفرطة لم تر فيها غير نفسها وقوتها وسيطرتها على العالم، هكذا تحدث د. أحمـد الطيـب شيخ الأزهر الشريف في كلمة تضمنها الكتاب، مشيراً إلى أن فسلفتها قد تمخضت عن نظريات هي في حقيقتها نظريات سياسية، اطلقها اصحابها لتبرير النزعة الاستعلائية ضد حضارات الشرق، وسواء تحدثنا هنا -يقول شيخ الأزهر- عن نظرية صراع الحضارات أو نظرية نهاية التاريخ وهما أحدث ما أخرجته جعبة الغربيين في هذا المعترك فإننا نتحدث عن نظريتين استعماريتين بامتياز؛ إذ هما لا تختلفان عن نظرية رسالة الرجل الأبيض ونظرية تفوق الجنس الآري في القرنين الماضيين، اللهم الا في التحليل والتعليل لسيادة الغربيين على من عداهم من باقي الأمم والحضارات. وفي قبالة هذا السياق، ذهب شيخ الأزهر إلى تشريح فكرة أطروحة الصراع و مآلاتها وفكرة التعارف التي نص عليها القرآن الكريم ومآلاتها أيضاً، ليتحدث بأن من الحقائق التي أثبتها التاريخ والواقع ان الاسلام جاء بحضارة إنسانية سامية، نزلت إلى الواقع، وخاضت تجربة تاريخية طويلة، اثبتت ان الاسلام دين عالمي، يفتح ابوابه على مصاريعها لكل عناصر الحق والخير والجمال، مهما اختلفت مصادرها ومهما تناءت مواطنها، وان حضارته كانت حضارة مفتوحة على العالم، وقد تعاملت مع الأديان والحضارات التي تثاقفت معها بكثير من الاحترام والتفاعل والتواصل، وانها كما تأثرت بحضارات الآخرين أثرت فيها، ورفدتها بزاد علمي وحضاري ما كانت لتحصل عليه لولا حضارة المسلمين. فكرة التعارف بين الحضارات، والذي اضاعه الغرب، وكان مصدر أسى وندمٍ عند عقلاء الغربيين وحكمائهم يقول شيخ الأزهر د. أحمد الطيب تنبه إليه شيوخ الأزهر في اربعينيات القرن الماضي حيث نادى الشيخ المراغي شيخ الازهر، في ذلك الوقت بالزمالة العالمية بين الأمم كافة في كلمته امام المؤتمر العالمي للأديان الذي انعقد في لندن سنة 1936م، ثم جاء بعده بعشر سنين الشيخ محمد عرفة الذي كتب في مجلة الأزهر في عامها العاشر: 1946م مقالاً نادى فيه: بضرورة التعاون بين الإسلام والغرب، وقد دفعه لكتابة هذا النداء ما انتهت إليه الحرب العالمية الثانية آنذاك من اختراع القنبلة الذرية والأسلحة الفتاكة، وقد حذر من فناء العالم كله، إذا استعمل المحاربون هذه المُخترعات الفتاكة، وإذن فلا مفر فيما يقول الشيخ من التقريب بين الشعوب ومن إزالة اسباب الخلاف والبغضاء، ومن ان تصبح الأرض كلها مدينة واحدة، وان يكون سكانها جميعاً كأهل مدينة واحدة. ويعول الشيخ في إشارة من الدكتور احمد الطيب إلى الشيخ عرفة- كثيراً في دعوته للتعاون مع الغرب على ما في الإسلام من دعوة صريحة للتعاون البشري ولنشر السلام، وان كان يلتمس العذر للغربيين لجهلهم مبادئ الإسلام التي ربما خفيت عليهم، مما حملهم على التنكر للإسلام وعدم الثقة بالمسلمين. ولم ينس الشيخ عرفة يتابع الدكتور أحمد الطيب حديثه- ان يوجه اللوم ايضاً للمسلمين؛ لأنهم يجهلون الغرب ويسيئون الظن به عن جهل، ويقرر ان سوء الظن المتبادل بين الطرفين هو علة العلل في اختلال العلاقة واضطرابها بين الإسلام والغرب. ليختتم مبحثه بقول للشيخ عرفه بأنه يجب ان يفهم الغرب الإسلام، وان يفهم الإسلام مدنية الغرب، وانهما اذا تفاهما زال ما بينهما من سوء ظن، وأمكن ان يعيشا معاً متعاونين يؤدي كل منهما نصيبه من خدمة الإنسانية... كما يجب على العلماء المسلمين ان يبينوا مدنية الغرب على حقيقتها ليحل التعارف محل التناكر، ويحل السلام محل الخصام.
مشاركة :