” كانت حياتي عبارة عن حلم، فإذا رغب أحد في كتابتها، فلن تبدو حقيقية بالكامل”؛ هذا ما قاله رالف لورين؛ المصمم العالمي وصاحب دار الأزياء الشهيرة، على كثرة التفاصيل الموجودة بحياته، لكن بالرغم من ذلك، حاولنا استقصاء الكثير من الحقائق؛ لمعرفة سر نجاحه في عمر مبكر؛ ليصبح من أهم الملهمين لـرواد الأعمال.طفولة غير سعيدة وُلدَ رالف ليفشيتز في برونكس، بولاية نيويورك الأمريكية في 14 أكتوبر عام 1939، لعائلة من أصول بيلاروسية، وهو الأصغر بين 4 أبناء. لم تكن طفولة رالف سعيدة، فقد واجه صعوبات في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تعرض إلى التنمر من زملائه بالمدرسة؛ بسبب اسم عائلته “ليفشيتز”؛ ما دفعه إلى تغييره عندما بلغ عامه الـ16، إلى “لورين”.الشغف المبكر بالأزياء كان لرالف ذوق رفيع في الأزياء منذ فترة المراهقة؛ حيث لفت انتباهه الألوان المميزة، والإطلالات الرسمية للنجوم في هوليوود أمثال: “فريد إيستير”، و”كاري جرانت”؛ فعشق الملابس القديمة، وما تحمله من تصماميم فنية كلاسيكية. دون أن يكترث باهتمامه بعالم الأزياء والملابس، التحق رالف لورين بكلية باروك بمانهاتن لدراسة إدارة الأعمال، ثم تركها بعد عامين لأداء الخدمة العسكرية، وبعد انتهاء تجنيده، عمل بائعًا بشركة ملابس؛ ما أعاده إلى شغفه القديم. اعتمادًا على ولعه بالملابس، ودراسته المحدودة لعالم إدارة الأعمال، كان رالف لورين صاحب رؤية مستقبلية صائبة، في الوقت الذي لم يهتم بالتمرد على التقليدية؛ ما جعله يكتسب خبرات كثيرة أثناء عمله بشركة “Brooks Brothers” للملابس. مايكل ديل.. مؤسس إمبراطورية “ديل”رؤية مستقبلية عمل رالف لصالح “Beau Brummell”، وفي عام 1967، حدث معه واقعة غيّرت مجرى حياته؛ إذ اقترح تصميمًا جديدًا لرابطات العنق للرجال؛ ما جعل مديره في العمل يقول: “إن العالم غير مستعد الآن لرالف لورين”. حفرت تلك الكلمات في عقل رالف؛ الذي بات يفكر في شغفه منذ المراهقة، وعرف حينها أنه يمتلك بصيرة يمكنها أن تغيّر العالم وتترك فيه بصمة، فترك العنان لعقله لصميم ما يريد، دون أن يفكر في أي شيء يوقف حلمه من الخروج إلى أرض الواقع؛ حتى أقنع مديره بتبني تصميمه. ابتكار جديد ابتكرَ رالف لورين تصميمه الخاص لربطات عنق للرجال، تميّزت بقَصَّتها العريضة وألوانها المختلفة، ووضع عليها علامة “Ralph Lauren”، ثم طرحها على مديري سلسلة متاجر “Bloomingdale’s” الشهيرة، فنالت إعجابهم، ووضعوها على رفوفها، بعد مطالبته بإزالة علامته، ووضع علامتهم الخاصة. إيف سان لوران.. عبقري الأزياءقرار حاسم كان الأمر بمثابة تخلي رالف عن حلمه، فهو الآن على أعتاب قرار جوهري؛ فإما أن يوافق على إزالة اسمه من تصميمه؛ حتى يبصر النور، أو دفنه بين ملايين الأحلام غير المحققة مع وجود اسمه عليه. بعد تفكير عميق، قرر رالف الرفض بشكل قاطع، وبدأ يفكر كليًا في خطوته المستقبلية المقبلة. كانت تصاميم رالف- الذي لم يبلغ الثلاثين من العمر حينها – رائعة ومختلفة؛ ما جعل مديري Bloomingdale’s يتواصلون معه مجددًا، مع إبقاء اسمه؛ لإعجابهم بعمله الفريد، ورؤيته. حققت ربطات العنق نجاحًا كبيرًا، فسعى لورين لتوسيع عمله باقتراض 30 ألف دولارًا، وفكر في الانتقال إلى تصميم الأزياء الرجالية الكلاسيكية؛ التي شغف بها منذ مشاهدته لأعمال “فريد إيستير”.أول متجر وبعد فترة، حصل لورين على متجر صغير خاص به من Bloomingdale’s؛ وهي المرة الأولى التي تمنح تلك السلسلة الشهيرة هذا الامتياز لمصمم. نالت تصاميم رالف الرجالية إعجاب أبرز نقاد الأزياء، فحصد جائزة “Coty” للأزياء؛ تقديرًا لعمله، ما أجج شرارة الشغف بداخله، فظل يعمل ليلًا ونهارًا؛ للتحضير إلى خط جديد لإنتاج الملابس النسائية المحاكة بأسلوب مشابه لتصاميم الملابس الرجالية الكلاسيكية. كان لورين في عمر الـ33 فقط، عندما أعلن عن مجموعة جديدة للأزياء، مكونة من قمصان قطنية ذات أكمام قصيرة، يتم إطلاقها بعدد 24 لونًا مختلفًا، مطلقًا معهم شعار شركته، المتمثل في لاعب يمارس رياضة “البولو”. مارك كوبان.. بائع أكياس القمامة المليارديراقتحام هوليوود في بداية السبعينيات من القرن الماضي، تحوّل حلم رالف لورين إلى حقيقة؛ عندما انخرط في مجال الأفلام السينمائية، ليصمم ملابس طاقم الممثلين في العمل المقتبس عن رواية The Great Gatsby في عام 1974؛ ما عزز من سمعته كمصمم كلاسيكي. ساعد رالف في تصميم الملابس في فيلم The Wild Party، ثم شارك في تصميم أزياء الفيلم الكوميدي Annie Hall في عام 1977؛ لينالد شهرة واسعة. توسّعت الشركة خلال الثمانينيات والتسعينيات؛ حتى تم افتتاح عدة متاجر صغيرة باسمها في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها. في عام 1986، استثمر رالف لورين 30 مليون دولار لافتتاحَ متجر رئيس في جادة ماديسون ضمن المبنى التّاريخي Rhinelander Mansion؛ بهدف تسويق علامته التجارية واستقطاب مزيد من الزّبائن. التوسع والاستثمار سمح رالف في منتصف التسعينيات، لمجموعة Goldman Sachs البنكية للاستثمار، أن تستثمر في شركته، وبالفعل باع لها حصة تقدر بأكثر من 28%؛ ما شكّل صدمة لموظفي الشركة. ورغم الصدمة التي تلقاها عالم الأزياء بالشراكة السابقة، إلا أنها كانت في صالح شركته؛ إذ اعتُبِر الاستثمار دليلًا على إيمان “جولدمان ساكس” بمستقبلها الواعد. في عام 1997، وافق لورين على تحويل شركته إلى شركة عامة، ودخلت بورصة نيويورك؛ لتكون الخطوة الأكثر جرأة التي اتخذها، في ظل تشكيكه في العواقب. توماس ليبتون.. إمبراطور الشايعقلية فذة انتاب رالف لورين قلق من قراره، وشعر بالندم عليه، فالآن لا يمكن أن تكون الشركة ملكًا له فقط، كما تحد من حرياته في اتخاذ القرارات الحاسمة، لكنه لم يعرف أنها ستكون كفيلة بإدارجه ضمن قائمة أثرياء العالم. بعد دخول الشركة، البورصة، حقق لورين نجاحًا مذهلًا، وكسب ثروة زادت عن 6 مليارات دولار، أدخلته قائمة أثرياء العالم. لا تتخلى الحياة عن اختبار الناجحين، فوجهت له ضربة قاسية في الوقت الذي حقق فيه حلمه؛ فكان مهددًا بالزوال، خاصة بعد تراجع قيمة أسهم الشركة، وانخفاض الأرباح. طوال عام، عانى رالف من تراجع قيمة الأسهم؛ لذا كان عليه اتخاذ قرار محوري للحفاظ على بقاء حلمه، وتنحى عن منصب المدير التنفيذي لشركة رالف لورين، وعيّن ستيفان لارسون بدلًا منه عام 2015. أصبح رالف رئيسًا لمجلس الإدارة؛ حتى يهتم شخصيًا بعملية التسويق الخاصة بشركته، فلم يقف عند مجرد تصميم الأزياء فقط، بل أطلق Ralph Lauren Home للأدوات المنزلية كالوسائد، وأغطية الأسرّة، وأدوات المائدة وغيرها، كما أطلقَ خطًا لإنتاج العديد من العطور الرّاقية. محمد الطراد.. من الفقر إلى الثراءتصميمات النبلاء عُرفت تصميمات رالف لورين بأنها توفر مزيجًا من زي النبلاء البريطاني، والطبقة الراقية الأمريكية، كما تعكس نظرة صاحبها الخاصة، وبصمته المميزة. لاحظ رالف مسلسل Downton Abbey البريطاني؛ حيث كانت التصميمات انعاكسًا لما يمثله لورين في عالم الأزياء؛ ما جعله يطلق مجموعة خريف خاصة مستوحاة منه، ورعى الموسم الأخير منه عام 2016.المسؤولية الاجتماعية كرس رالف لورين من أمواله وحياته الكثير لمساعدة المحتاجين، فعرف عنه بأنه رجل الأعمال الخيرية؛ وهو ما يرفضه تمامًا، وحين سُئل عن ذلك، قال: “لا أريد أن يصفوني بصانع الخير؛ فالأمر ينبع من القلب، وهو ما أفعله”.الدروس المستفادة: الإيمان بالأحلام: رائد الأعمال الناجح هو من يحول حلمه إلى حقيقة، والمضي قدمًا نحو النجاح. القرار الصائب: تبدو بعض القرارت في عالم الأعمال مخادعة؛ لذا استخدم بصيرتك؛ لمعرفة كيفية الاستقرار على القرار الصائب. الشغف المبكر: لا تخلو حياة رواد الأعمال من الشغف؛ فهو الوقود الأساسي الذي يحرك حياتهم نحو النجاح والثراء. المسؤولية الاجتماعية: رائد الأعمال الناجح يخصص نصيبًا من ثروته للمحتاجين والفقراء، ومساعدة شباب رواد الأعمال. اقرأ أيضًا: فريدريك إيدستام.. مؤسس نوكيا جورج إيستمان.. مؤسس “كوداك” إيوانا أنجيليداكي.. مؤسسة InstaShop
مشاركة :