مرصد الأزهر يصدر تقريرًا حول الذئاب المنفردة وأهدافهم

  • 11/13/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

نشر مرصد الأزهر، تقريرًا حول الذئاب المنفردة وأهدافهم، حيث أعادت الهجمات الإرهابية الأخيرة في كلٍّ من فرنسا والنمسا إلى الأذهان موضوع ظاهرة "الذئاب المُنفردة"، وتعويل تنظيم "داعش" الإرهابي عليها في مراحل معينة، وتوجيهه خطابًا إعلاميًّا تحريضيًّا لها يحفزها على القيام بعمليات إرهابية، تجمع بين سهولة التنفيذ والإعداد من جهة، وقوة التأثير وإثارة الرعب من جهة أخرى. فما هي "الذئاب المنفردة"؟ وما هي أهدافها؟ وما هي أهم العمليات الإرهابيّة التي قامت بها؟ وما هي سبل الوقاية من إرهابها؟ هذا ما نأمل الإجابة عنه من خلال هذه الدراسة الموجزة، التي هي امتداد جديد لدراسات المرصد السابقة حول هذه الظاهرة. ووفقا للمرصد فإن الذئاب المُنفردة، وظهور هذا المصطلح، يمكن أن يستنبط من خلال تعرِّيف "مركز فيريل للدراسات" الذي يراها مصطلحٌ أمني، يُطلق على أفراد يقومون بعمليات قتلٍ، دون أن يكون لهم تنظيمٌ أو حزبٌ محدَّد، ولم يتمَّ تكليفهم من قبل جهةٍ أو وضع خطةٍ محكمةٍ أو مسبقة لهم. محركهم أو دافعهم الأساس هو أفكار ومعتقدات تأثروا بها، وترسَّخت في عقولهم نتيجة إحباطٍ أو حقدٍ أو غضبٍ على دولة أو عِرْقٍ، أو طائفة أو قوميَّة أو حتى جنس بشري ما. ويؤكد المركز أنه من الخطأ أن تُنسب هذه الظاهرة إلى دينٍ بعينه، وأنه لا يوجد تاريخ أو مكان مُعينٍ يمكن وصفه بأساس لهذه الظَّاهرة.ويقول الباحث السوري "محمود البازي" في دراسةٍ تحمل عنوان "الذئاب المنفردة الملاذ الأخير لداعش": إن مصطلح "الذئب الوحيد" أو "الذئب المنفرد" قد شاع في عام 1990 حين دعا العنصريان الأمريكيان "ألكس كيرتس" و"توم متزغر" الخلايا الفرديَّة والصغيرة إلى العمل تحت الأرض وبسرية تامَّة، بدلًا من العمل من خلال منظَّمات كبيرة تعمل فوق الأرض. ومنذ عام 1990 ظهرت في الولايات المتَّحدة هجمات عنصريَّة تقوم بها هذه المجموعات بصفة منفردة، ومن دون هرم تنظيمي، حيث دعوا إلى القضاء على غير البيض بكل الوسائل المتاحة، والترويج للاغتيال، وحثوا مناصريهم على القول عند القبض عليهم "ليس لدي ما أقول". وفي عام 2011، وفي إحدى جولاته الانتخابيَّة وضَّح "باراك أوباما" الرئيس الأمريكي الأسبق مدى ما حقَّقته الولايات المتَّحدة من نجاحات في حربها ضد تنظيم القاعدة، وقال بأنهم ــ أي الأمريكيين ــ مضطرون إلى حماية أنفسهم ضد أنشطة "الذئاب المنفردة" التي هي أخطر من الهجمات الإرهابيّة ذات الطابع التنظيمي؛ لأنه من الصعب جدًا تعقَّب أو تتبُّع شخص فقد توازنه أو يتحرك بينهم بأيديولوجيته المفعمة بالكراهية، مؤكدًا على أن الخطر الأكبر الذي يواجه أمريكا ليس في التنظيمات الإرهابيّة، وإنما هو "الذئاب المنفردة". وفي اليوم الذي قال فيه "أوباما" هذا الكلام تم القبض على شاب في السابعة عشر من عمره، كان يقوم بتصنيع قنابل في بيته في ولاية "فلوريدا".ويؤيد "جيفري دي سيمون" ــ المحلّل السياسيّ السَّابق في مؤسسة "راند" الأمريكيَّة، ومدير شركة "تحليل المخاطر السياسية"، والمحاضر في مجال الإرهاب في "جامعة جنوب كاليفورنيا"، والذي يعدّ من أهم منظري دراسة الإرهاب ــ خطورة "الذئاب المنفردة"، وذلك في كتابه "إرهاب الذئاب المنفردة: الخطر المتزايد"، حيث ذكر أنّ "الذئاب المنفردة" أثبتوا أنّهم أكثر خطورة من إرهابيّ الجماعات والتنظيمات الإرهابيّة، وأنّهم أكثر إبداعًا في تنفيذ عملياتهم من الجماعات والتنظيمات، وأنّهم لا ينتمون إلى دين بعينه؛ بل إلى مختلف الديانات والعقائد والأيديولوجيات. كما استعرض "سيمون" في كتابه سالف الذكر كافة أهداف "الذئاب المنفردة"، ودوافعهم، والبيئات الخاصَّة بهم، والتي خرجوا منها.وخلاصة القول أنهم أفرادٌ لا ينتمون تنظيميًّا إلى جماعةٍ أو تنظيم، لكنَّهم تشبَّعوا بالفكر المتطرف، واقتنعوا به واتخذوه منهجًا، ومن ثمَّ يقومون بعمليات إرهابيّة ذات طابع فردي، هم من يخططون لها بأنفسهم، ويحدّدون زمانها ومكانها وهدفها والأسلحة التي سيستخدمونها فيها. وقد اتخذت هذه العمليات في السنوات الأخيرة أشكالًا مختلفة منها عمليات دهسٍ بالسيارات، وعمليات طعن بالسَّكاكين، وعمليات إطلاق نارٍ على التَّجمعات. وهذه العمليات بالرغم من سهولتها عن عمليات التفجير التنظيمية، إلا أنها أكثر تأثيرًا من ناحية نشر الخوف والذعر والشكّ بين المواطنين؛ لأنها قد تكون سببًا في أنْ يشكّ الإنسان في أن كلَّ من يقابله في الطريق يمكن أن يكون إرهابيًّا، وكل سيارة أو وسيلة مواصلات يمكن أن تكون سلاحًا.وحول أهم العمليات الإرهابيّة التي قام بها ذئاب منفردة، فيذهب إلى أنها لا تنتمي إلى دين معينٍ أو ثقافة بعينها، بل يوجد منهم من يقاتل لدوافع قوميَّة أو عِرْقية أو فكريَّةٍ. ومن أشهر العمليات التي قام بها "ذئاب منفردة" في العالم:مذبحة الحرم الإبراهيمي: قام بها طبيب يهوديٌّ أمريكي يُدعى "جولدشتاين" في فبراير 1994، حيث أطلق النار على المصلين أثناء صلاة الفجر، وراح ضحيتها 29 شخصًا، وأصيب 250 آخرون.تفجير المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما: قام بهذه العملية الأمريكيّ "ماكفي" عام 1995، وقتل أكثر من 160 فردًا من بينهم أطفال.أحداث باريس 2015: تعرَّض عددٍ من المواقع في باريس إلى سلسلة من الهجمات الإرهابيّة، كان أشدَّها هجوم استهدف مسرح "باتاكلان" في 13 نوفمبر 2015، الذي راح ضحيته 137 قتيلًا. نفَّذ هذا الهجوم 3 أشخاص، وأعلن تنظيم "داعش" الإرهابي مسئوليته عن هذا الهجوم. حادثة دهس "يوم الباستيل": في 14 يوليو 2016، حيث شنَّ شخص هجومًا في مدينة "نيس" الفرنسيَّة بشاحنة نقل أثناء احتفالات المواطنين بـ "يوم الباستيل"، وراح ضحيته 84 قتيلًا، وإصابة أكثر من 400 آخرين، وتبنى تنظيم "داعش" الإرهابي الهجوم فيما بعد. هجوم "سان برناردينيو": في 2 ديسمبر 2015 حيث شنّ رجل وزوجته هجومًا بالأسلحة على مركز "إنلاد الإقليمي" في مدينة "سان برناردينيو" الأمريكيّة. أسفر هذا الهجوم الذي تبنَّاه تنظيم "داعش" الإرهابيّ عن مقتل 14، وإصابة 18 آخرين.هجوم الملهى الليليّ في "أورلاندو": حيث نفَّذ شخص هجومًا على إحدى الملاهي الليليَّة في مدينة "أورلاندو" الأمريكيَّة في 12 يونيو 2016، وراح ضحيته 50 قتيلًا. وتبنى تنظيم "داعش" الإرهابي الهجوم فيما بعد. عملية دهس سوق لعيد الميلاد في برلين: في 19 ديسمبر 2016، حيث اقتحمت شاحنة سوقًا لعيد الميلاد بالعاصمة الألمانية برلين، وأدى إلى مقتل 12 وإصابة أكثر من 50 آخرين. وقد تبنى تنظيم "داعش" الإرهابيّ هذه العملية كذلك.أحداث مانشستر: في 22 مايو 2017، حيث قام شخص من مواليد بريطانيا بهجوم انتحاري في إستاد "مانشيستر أرينا" أثناء إحدى الاحتفالات الموسيقيَّة. ونتج عن هذا الهجوم الذي تبناه تنظيم "داعش" الإرهابي مقتل 23 شخصًا، وإصابة 250 آخرين.أحداث جسر وستمنستر: في 22 مارس 2017، حيث قام البريطاني "أدريان راسل" بعملية دهس على "جسر وستمنستر" في "لندن"، راح ضحيتها 3 أشخاص.عمليات جسر لندن: في 3 يونيو 2017، حيث قام 3 أشخاص بعملية دهس على جسر لندن، ثم نزلوا من السيارة، وطعنوا مرتادي مطاعم ومقاهي بالسَّكاكين في منطقة "بورو ماركت."مجزرة مسجدي نيوزيلندا: في يوم الجمعة الموافق 15 مارس 2019 نفذ اليميني المتطرف "برينتون تارنت" هجومًا على مسجدين في "كرايست تشرش"؛ مما تسبب في مقتل 49 مسلمًا وإصابة العشرات في هجوم وصف بأنه إرهابي عنصري ضد المسلمين. ويرى أن داعش في مرحلة قوته التي يقول الباحثون بأنها كانت في عامي 2014، 2015، كانت لديه آلة إعلاميّة قوية، عبارة عن خليط من المهارات الإلكترونيَّة الإعلاميّة والثقافات التكفيريّة. سعت هذه الآلة بكل شبكاتها وكتائبها ومواقعها ومدوناتها وحساباتها لنصرة التنظيم، ونشر ثقافته وخطاباته ومناهجه، بكل الأساليب الإعلاميّة والتقنيات المتاحة. وكان من أهم وظائف هذه الآلة الإعلامية هي عملية التجنيد الفكريّ للأفراد، وصبغة التنظيم بالصبغة العالميَّة، ونقل المعركة من الشرق إلى الغرب، عن طريق الإنترنت والأفراد الذين يتم تجنيدهم. وقد مكَّنت هذه الآلة الإعلاميّة التنظيمَ من تكوين قوة ناعمة ليست بالقليلة في العديد من دول العالم وخصوصًا في الغرب، وبأعدادٍ متفاوتة بين بلدٍ وآخر.ويمكن تقسيم القوى الناعمة لتنظيم "داعش" الإرهابيّ إلى عدَّة أقسام: أفراد اقتنعوا بفكر التنظيم، وتواصلوا مع أفراده، وتفاعلوا معهم على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وسافروا بعد ذلك إلى سوريا أو العراق أثناء سيطرة التنظيم عليهما. وهؤلاء تحوّلوا من قوة ناعمة إلى قوة فاعلة ومؤثرة على الأرض. وكان سفر هؤلاء يتمّ بسهولة ويسر إلى حدٍّ ما في بداية ظهور التنظيم.بعد ذلك أدركت الدول هذا الأمر وحرصت على تأمين مواطنيها، وعدم انضمامهم إلى التنظيم، وهنا ظهر النوع الثاني من المؤيدين والمتعاطفين وهم: أفراد اقتنعوا بالفكر المتطرف عن طريق الإنترنت، وتشبعوا به، وصاروا مستعدين للسفر والانضمام إلى التنظيمات الإرهابيّة، لكنهم لم يستطيعوا ذلك بسبب الإجراءات الأمنيَّة المشدَّدة في بلادهم. وهذا النوع الثاني ينتمي إليه الشاب الذي قام بهجمات "فيينا" الأخيرة التي حدثت الاثنين 2 نوفمبر الجاري، حيث كشف وزير الداخلية النمساوي "كارل نيهامر" لوكالة الأنباء النمساوية، أن الشخص الذي نفذ الهجوم يبلغ من العمر 20 عامًا، ويحمل جنسية كل من النمسا ومقدونيا الشمالية، وقال: إنه أدين في أبريل من عام 2019؛ لأنه حاول السفر إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم داعش، وحُكم عليه بالسجن 22 شهرًا، وحصل على إفراج مشروط.وقد أراد التنظيم الإرهابي الاستفادة من هذا النوع الثاني من المتعاطفين فبدأ يُعِدُّ لهم خطابًا خاصًا حتى يضمن ولاءهم له. وكان الخطاب الأول لـ"أبو محمد العدناني" المتحدث باسم التنظيم (الذي قتل في أغسطس 2016)، حيث شجَّع في تسجيل صوتي له عام 2014 محبي التنظيم على القيام بعمليات "ذئابٍ منفردة" دون أخذ إذن أو موافقةٍ، مؤكدًا على أنهم سيعترفون ويتبنون أيَّ هجوم ولو كان صغيرًا. ولقد كان هذا النداء من "العدناني" بمثابة آلية جديدة للتحريض على الإرهاب والقيام بعمليات إرهابيّة عن طريق المؤيدين والمتعاطفين.ولقد وصلت هذه الدعاية السوداء إلى كتلة جماهيريَّة واسعة في العالم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعيّ. والشرط الوحيد الذي اشترطه "العدناني" من أجل تبني التنظيم للعمليات التي يقوم بها المحبون له هو أن يُقْسِموا يمين الارتباط بالتنظيم بشكلٍ واضحٍ أمام الرَّأي العام. ومن ثمَّ وجدنا "سيد فاروق" وزوجته "تشفين مالك" الَّذَيْنِ شنَّا هجومًا على مركزٍ اجتماعيّ في مدينة "سان برناردينو" الأمريكيّة عام 2015، قد أعلنا ولاءهما لتنظيم "داعش" الإرهابيّ على موقع التواصل "فيس بوك" قبل تنفيذ الهجوم بدقائق. الأمر ذاته قام به الشاب "عمر متين" الذي اتصل بالطوارئ قبل ثوانٍ من هجومه على الملهى الليليّ في مدينة "أورلاندوا" الأمريكيَّة عام 2016، وأعلن انتماءه لداعش. من ناحيته تبنى التنظيم الإرهابيّ العمليتين، رغم أن السلطات الأمريكيَّة لم تجد أي علاقة تربط مرتكبي الهجمات بالتنظيم. كذلك رأينا الشاب النمساوي قبل تنفيذه هجمات "فيينا" الأخيرة يعلن عبر مقطع مرئيّ "فيديو" بيعته لزعيم التنظيم الجديد "أبو إبراهيم القرشي"، ومن ثمَّ تبنى التنظيم العملية رغم عدم الانتماء التنظيمي لمرتكبها، بل والأغرب من ذلك أن التنظيم احتفى بهذا الفيديو ونشره على جميع منصاته الإعلاميّة، ونسب المنفذ إلى أعضائه. ويعول تنظيم "داعش" الإرهابي على "الذئاب المنفردة" أو بصفةٍ عامَّةٍ على العمليات ذات الطابع الفرديّ في مراحل ضعفه وانهياره التي يصعبُ فيه التواصل بين قادة التنظيم وأفراده. ومن ثمَّ يختار الفرد الداعشي التنظيمي أو "الذئب المنفرد" الهدفَ المُراد الاعتداء عليه، ويضع الخطة، ويختار التوقيت بشكلٍ مستقل دون الرجوع إلى قيادة التنظيم، التي تفاجئ بعمليةٍ إرهابيّة ارتكبت باسم التنظيم، بل ربما تختلف هذه القيادات نفسها حول الهدف من وراء هذه العملية كما حدث قبل ذلك في أحداث "سيرلانكا" العام الماضي؛ حيث نشرت بعض المنصات الإعلاميّة للتنظيم أنها كانت ثأرًا لأحداث "نيوزيلاندا"، فيما أعلن "البغدادي" أنها كانت ثأرًا لما حدث في "الباغوز". وحول ما هي ملامح الخطاب الأخير الذي قدَّمه تنظيم داعش الإرهابي للذئاب المنفردة؟ ذكر في تقارير سابقة أن الخطاب الإعلاميّ لتنظيم "داعش" الإرهابي بصفةٍ عامةٍ ولـ "الذئاب المنفردة" بصفةٍ خاصةٍ، هو خطاب خليط بين اليوتوبيا والتحريض، والمظلومية والعنف والتوحُّش، والانتصار المعتمد على الإبهار، وهو الخطاب الأكثر تطرفًا من بين خطابات جميع التنظيمات الإرهابيّة الأخرى.والمتأمل في الخطاب الإعلاميّ لداعش بعد حادثة مقتل المدرس الفرنسي نهاية أكتوبر الماضي يجد تحريضًا واضحًا من قبل التنظيم للذئاب المنفردة، وتشجيعهم على ارتكاب عمليات إرهابيّة ضد الجميع دون تفرقةٍ بين مدنيين وغيرهم. وهذا الخطاب التحريضي دائمًا ما يكون تحفيزيًا لتحويل المستمع أو المخاطب الذي يسهل خداعه من التأييد السلبي إلى التأييد الإيجابيّ، ومن معترض أو رافض للواقع إلى متمردٍ عليه، أو بمعنى آخر تحويله إلى "ذئب منفرد".وهذا ما حدث في الإصدار المرئيّ الأخير للتنظيم، حيث مدح المتحدثُ قاتلَ المدرس وأثنى عليه، ووصفه بالسابق لسنه، وانتقد كل من يحاول الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بأي طريقة سلمية أو فكريَّة أو عقلانيَّة، واتهمه بالتهاون والنفاق وغير ذلك من الأوصاف السيئة، وحاول تشكيكه في أيّ حلٍ أو علاج سلمي ينتهجه في الدفاع عن نبيه، وقصر الدفاع عن سيد الخلق على العنف والقتل في مشهدٍ لا يمكن لعاقل أو من لديه أدنى حدٍ من التفكير النقدي أن يصدقه. ثم مزج المتحدث بعد ذلك هذا الخطاب التحريضي بخطاب العنف والتوحّش مخاطبًا جموع الشباب المسلم في الغرب، ومحرضًا لهم صراحة على القيام بعمليات إرهابيّة ضد المجتمعات الغربيّة دون استثناء، مصورًا لهم أن الاستهزاء بالإسلام ونبيه هو دأب جميع هذه المجتمعات في تعميم يظهر مدى جهل أعضاء هذا التنظيم ودمويتهم، ومخالفتهم لكل قواعد العقل والمنطق.وشدد على أن التنظيمات المتطرفة وجدت في "الذئاب المنفردة" وسيلة أكثر تأثيرًا في تحقيق الأهداف التي يسعى إليها أي تنظيم، وخصوصًا نشر الخوف والرعب بين جموع المواطنين. فهذا هو الهدف الأول لأي تنظيم من أية عملية إرهابيّة يقوم بها. فالمتطرفون يقيسون مدى نجاح العملية الإرهابيّة ليس من خلال عدد الضحايا فقط، ولكن من خلال مدى الرعب والخوف الذي نتج عن هذه العملية، ومدى ما سببته من إرباك للحكومات في التعامل مع الأزمة، ومدى صعوبة الإجراءات التي تتخذها الحكومات لمواجهة الحادث الإرهابي، ومدى تأثير تلك الإجراءات على حرية المواطنين. ومن ثمَّ فإنه من الواجب تكاتف جميع المواطنين في أي مجتمع بكامل أطيافهم مع الحكومات وقت الأزمة. كما ينبغي على جميع السياسيّين تقديم خطاب يدعو إلى التماسك والتضامن ويوحَّد جميع أطياف المجتمع الواحد، ويسدّ جميع النوافذ التي يمكن أن تتسلل من خلالها التنظيمات المتطرفة لزيادة الفرقة، واستقطاب وتجنيد المزيد من الشباب. وقد أثبت الواقع أنَّ التنظيمات المتطرفة رغم اختلافات توجهاتها وأهدافها، فإنها تجني ثمار بعضها بعض، فاليمين المتطرّف يستغل هجمات تنظيم "داعش" الإرهابي ويروج لها من أجل تقوية رصيده وزيادة التخويف من المسلمين، وفي الوقت ذاته يستخدم تنظيم "داعش" الإرهابي العمليات التي يقوم بها اليمينيون، ويروج لها باعتبارها دليل على كراهية الغرب للمسلمين. الاعتداء على الثوابت الدينيَّة والثقافيَّة للآخر، من أهم الأسباب التي تغرس بذور الانقسام بين أبناء المجتمع الواحد، وتمثل أرضًا خصبة وبيئة منسجمة للتنظيمات المتطرفة، ولذلك فإن من يعتدي على ثوابت الآخر ورموزه الدينيّة فإنه دون أن يدري يقدم أهم خدمة يمكن أن تُقدم للتنظيمات المتطرفة، خصوصًا تلك التي تجيد التعامل مع وسائل الاتصالات الحديثة، مثل جماعات اليمين المتطرف في الغرب وتنظيم "داعش" الإرهابي، الذي يحرك ذئابه المنفردة، مستشهدًا في كثيرٍ من الأحيان بخطابات اليمين المتطرف. من أجل ذلك ينبغي على جميع المجتمعات وضع تشريعات ترسَّخ المواطنة وتجرم الاعتداء على أديان الآخرين وخصوصياتهم الثقافيَّة.ينبغي تجاوز الاستراتيجيات الحاليَّة في مواجهة ظاهرة "الذئاب المنفردة"، واستحداث إجراءات على كافة المستويات التعليميّة والثقافيّة والتشريعيّة والقانونيّة الصارمة المتعلقة بمكافحة التطرّف، وكذلك إجراءات متعلقة بالسجون التي ثبت أنها أحد الأماكن التي يسهل استقطاب الشباب فيها وتحويلهم إلى "ذئاب منفردة".

مشاركة :