في مدينة بيت لحم في الضفة الغربية، فتح المرشد السياحي رائد بنورة مطعما صغيرا رفع فوق بابه لافتة باللونين الأحمر والأصفر كُتِبَت عليها عبارة "شطائر كورونا"، ليكون مصدر رزقه بعدما فقد وظيفته مع تَوقُّف السياحة نتيجة تفشي فيروس كورونا المستجد. فالحركة السياحية غابت منذ آذار/مارس الفائت عن بيت لحم حيث كنيسة المهد، مما أدى إلى توقف عمل بنورة الذي كان يرافق يوميا مجموعات من السياح والحجاج المسيحيين يتدفقون إلى المدينة عبر الجدار الخرساني الرمادي الذي بنته إسرائيل، تنقلهم حافلات من القدس. وقرّر بنورة على الأثر فتح مطعم صغير يساعده على ملء الفراغ وإعالة أسرته. ويقول لوكالة فرانس برس "كانت السادسة صباحا (...) أيقظت زوجتي وقلت لها أصبحت أعرف ماذا سأسمي المقصف: كورونا". لكن أول رد فعل لزوجته كان أنها اعتبرت قراره ضربا من الجنون، فاكّد لها أن "هذا الاسم سينتشر بسرعة الفيروس". ويُعدّ بنورة في المقصف أنواعا من اللحوم يضيف إليها البصل المشوي وتوابل خاصة، ويلفها بخبز التورتيلا. كذلك تحتوي قائمة الطعام لديه على "نقانق كوفيد -19"، ونقانق اللحم البقري ولحم الضأن. وعن إمكان تحفظ الزبائن عن الاسم، يقول بنورة "الناس يموتون كما من غيره من الأمراض (...). ثمة أشخاص يتوفون بسبب السكر أو التبغ، لكنّ ذلك لم يجعلنا نحذف هذه المفردات من قاموسنا".كيف تحول بائع شطائر مصري إلى محلل سياسي؟ما بين الذكاء والغباء قرأ بنورة في شبابه لماركس وتعلّم اللغة الروسية في كييف قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، وقبل أن يعود إلى وطنه المحتل. حينها، افتتح مطعما ومن ثم أصبح مرشدا سياحيا، وذلك قبل أن تضطره جائحة كوفيد-19 إلى العمل في تجارة المواد الغذائبة. وفي شرح لما دفعه إلى فتح المطعم في خضم الأزمة، يستشهد بنورة بقول "أحد الفلاسفة" إن "ثمة خيطا رفيعا بين العبقرية والغباء"، مضيفا "ما زلت لا أعرف إلى أيهما أنا أقرب". وبعد وقت قصير من اكتشاف أولى الإصابات بالفيروس في بيت لحم، فرض الإغلاق على المدينة، كما أغلقت كنيسة المهد أبوابها وكذلك الفنادق ومحال التحف الشرقية، وتمّ حظر دخول الحافلات السياحية والتنقل من المدينة إلى الخارج أو العكس. اليوم، بات مرشدو السياحة في بيت لحم يلاحقون الزوار القلائل إن وجدوا. وأحصت الضفة الغربية المحتلة حتى الخميس أكثر من 51 ألف إصابة و498 وفاة. "لم يمر علينا شيء مثل هذا" في محيط كنيسة المهد، معظم المحال التجارية مقفلة، والمشهد يتناقض تماما مع السنوات الأخيرة عندما كان المكان يعج بالزوار والسياح. ويقول أشرف كوازبة بينما يقلي الفلافل في مطعم أبو داوود "بالنسبة إلينا، الأشهر الثلاثة الأهم في السنة هي بين تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر"، في إشارة إلى الحركة النشطة والإقبال السياحي في مثل هذا الوقت إجمالا. ويضيف "مع حلول عيد الميلاد، يكون كل شيء ممتلئا ونعمل بلا توقف (...) هذه السنة كل شيء ميت". وطال الأثر السلبي لتفشي الفيروس الفنادق أيضا. ويقول مالك فندق سام البندك "يهدّد المصرف بوضع اليد على المبنى. إذا لم تَعُد الحركة السياحية بحلول كانون الثاني/يناير، فسنفقد فندقنا". أما رئيس بلدية المدينة أنطون سلمان لفرانس برس فلا يتوقع أن يساهم عيد الميلاد هذه السنة في تنشيط المدينة سياحياً. ويضيف "لم يمرّ علينا شيء من هذا القبيل" حتى في الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993) والثانية (2000-2005)، مشيرا الى أن "الوضع خلال الانتفاضتين الأولى والثانية كان صعبا ولكن بقيت للسياحة فرص". ويلاحظ أن "لا سياحة ولا مواصلات" في زمن الجائحة، إذ أن "كل شيء متوقف" راهناً. ويكشف سلمان أن نسبة البطالة ارتفعت من 15 في المئة إلى 37 في المئة منذ انتشار فيروس كورونا في المدينة التي يبلغ تعداد سكانها حوالى 30 ألف نسمة. في المقصف الأنيق، يأمل بنورة في أن يصمد حتى يعود النشاط السياحي لكنه يعتزم الإبقاء على اسم كورونا حتى ذلك الوقت. ويقول "سأحتفظ بالاسم لأن الناس سيأتون إلى هنا ويقولون: لقد نجونا".
مشاركة :