أكثر من نصف مليون لبناني بين موظفين في إدارات الدولة ومتعاقدين وأجراء ومتقاعدين، مهدّدون بالحرمان من رواتبهم بدءًا من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، بسبب الخلافات السياسية التي شلّت التشريع في البرلمان وعطّلت اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، وحالت دون إقرار القوانين والمراسيم التي تتيح لوزارة المال دفع الرواتب لموظفي الدولة وفق القواعد القانونية، وهو ما ينذر بأزمة اجتماعية بدأت تلوح في الأفق لن تبقي الموظفين مكتوفي الأيدي أمامها. وزير المال علي حسن خليل حذّر خلال جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت يوم الخميس الماضي من تداعيات هذا الملف، مبلغا الحكومة بالعجز عن تأمين الرواتب لموظفي القطاع العام في الشهر المقبل ما لم تصدر الحكومة مرسومًا يقضي بنقل أموال من احتياط الخزينة. وهذا موقف سبقه إليه رئيس مجلس الوزراء تمام سلام الذي شدد على ضرورة إقرار القوانين والمراسيم التي تسمح بصرف الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام، وتجيز لوزارة المال إصدار سندات خزينة بـ«اليوروبوند» لإيفاء لبنان التزاماته المالية الخارجية. في مقاربة قانونية وسياسية لما يجري، أيّد وزير المال السابق الدكتور جهاد أزعور خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» ما طرحه وزير المال الحالي، بأن «الاعتمادات الملحوظة في الموازنة لا تكفي لدفع رواتب الموظفين اعتبارًا من شهر أيلول (سبتمبر) وصاعدا». وأوضح أن «وزير المال يحتاج إما إلى قرار من مجلس الوزراء لنقل أموال من احتياط الحزينة أو إقرار سلفة خزينة، وإما إلى إقرار الموازنة في مجلس النواب وهذا الخيار معقّد، لأن المجلس متوقف عن التشريع». وإذ نبّه أزعور إلى أن عدم دفع الرواتب سيؤدي إلى إرباك الدولة، لفت إلى أن «القانون يشدّد على مبدأ استمرارية المرفق العام، وهذا يعني أن لا أحد يستطيع أن يوقف الدولة». وشرح أن «التوقف عن دفع الرواتب سيولّد ضغوطًا سياسية على الحكومة وعلى الإدارات، وسيلحق الضرر بمصالح الناس وليس مصالح السياسيين». وعبر الوزير السابق عن أسفه لأن «الموظف والمواطن هو من يدفع الكلفة لأسباب سياسية». ورأى أن «المطلوب دراسة سياسية متأنية، والتنبه إلى الانعكاسات السياسية الخطيرة لهذا الأمر لأنها لن تطال الموظف والمواطن فحسب، بل عمل الدولة كلّها». وأدلى عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب الدكتور غازي يوسف، وهو خبير مالي واقتصادي، بدلوه في حوار مع «الشرق الأوسط» فأوضح أن «الإطار القانوني لدفع الرواتب يقوم إما على نقل اعتمادات من احتياط الخزينة عبر مجلس الوزراء وإما عبر قانون يصدر عن مجلس النواب لصرف الاعتماد.. لكن هذين الأمرين غير متوفرين اليوم لأن مجلس النواب مشلول ومجلس الوزراء معطّل ولا يتخذ قرارات». ورأى يوسف أن «الواقع الذي يحرم الموظفين من رواتبهم، هو جزء من حالة التراجع التي تشهدها مؤسسات الدولة بفعل سياسة البعض». وتابع: «يمكن للموظفين أن يتقاضوا جزءًا من رواتبهم وفق القاعدة (الإثني عشرية) التي تعتمد عند هكذا أزمات، وهذا يحتّم على وزير المال أن ينقل اعتمادات مرصودة لمشاريع أخرى ويدفعها كرواتب أو جزء من الرواتب». وأضاف يوسف «في البعد السياسي للأزمة المستجدة، هناك من يقول لن يكون في لبنان برلمان ولا حكومة ولا جيش ولا مؤسسات ولا دولة أيضًا ما لم أحصل على كلّ ما أطلبه»، معتبرًا أن «المشكلة اليوم هي عند جمهور التيار الوطني الحر وحزب الله الذي لا يحاسب نفسه أولاً ويحاسب قياداته التي أوصلت البلد إلى هذا الوضع، وعليه أن يعي أن مساوئ التعطيل وضرب المؤسسات ستطاله كما تطال كل اللبنانيين».
مشاركة :